ابني الحبيب كان ككل الشباب له أصحاب وخروج وسهرات وهوايات وانطلاقات حتي ما كنا نراه في اليوم والليلة إلا ماندر، فاليوم مع أصحابه في المكان كذا، وغدا سيلعبون مبارة في ملعب كذا وغدا سيكون موعدهم عند السينما لمشاهدة الفيلم العربي أو الأجنبي ثم يتناولون العشاء في المطعم ليعودوا بعدها أخر الليل حيث النوم والراحة تمهيدا ليوم جديد وطلعة جديدة.
وبما أنه طالب جامعي كان أبوه يوصيني ألا أمنعه أو علي الأقل ألا أقف منه موقفا صداميا، لأن هذه المرحلة العمرية ملؤها القوة والحماسة والانطلاق وسرعان ما تمر وتأتي بعدها الوظيفة والزواج والاستقرار وتحمل المسؤولية ويهدأ البركان وتمشي فورة الثورة ويأتي الهدوء الحياتي المرتقب بإذن الله.
وكنت استجيب لكلام والده رغم اقتناعي من الداخل أنه ينبغي علينا ألا نترك له الحبل علي الغارب لأنه شاب وأصحابه ليسوا محمودي الأخلاق للدرجة التي نطمئن بها عليه معهم لكن هكذا الشباب وهكذا حياته وسرعان ما تهدأ أمواجه كما قال أبوه.
إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فقد فوجئت بابني المتحمس للانطلاق والحياة الصاخبة يطيل فترة وجوده بالبيت ويرتبط بالمسجد أكثر وأكثر، ثم يلتحي ويقصر ثوبه ويبدل أصحابه بأصحاب أخرين علي شاكلته الأخيرة، ثم يقتني الكتب التراثية القديمة ويذهب لدرس العلم ويجتهد في تعلم أحكام القرآن الكريم وحفظ ما تيسر له من القرآن والأحاديث، ناهيك طبعا عن هجران التلفاز إلا ما يجب مشاهدته من دروس للعلم التي يحب أصحابها.
والحق أنني رغم تغيره للأحسن خفت عليه! ليس لأني لا أحب تدينه لكن لأن التدين جاء فجأة ظننا معها أنه جاء نتيجة إحساس بالذنب لشئ فعله لانعلمه، ثم إنني رغم سعادتي الداخلية لصلاح حاله لم أكن سعيدة بكثرة انعزاله في غرفته للقراءة والصلاة أو مكثه في المسجد وجلوسه لدرس العلم إلا أنني أفتقده كابن، فأنا قلما أراه واستمتع به رغم ثقتي أنه مشغول عني بالخير، لكن الخير له طرق عدة لا يستغني ببعضها عن بعض لاسيما إذا كان يتعلق بالوالدين.
زد علي ذلك ما أراه من تشدد في تعامله مع شقيقته التي لاتلبس الحجاب الذي يريده، أو مع قريباتنا اللاتي أغلق باب التعامل معهن بالكلية مما جعلني أشعر بعزلته بعض الشئ حتي عن محيط بيتنا الصغير، ناهيك عن بقية بيوت العائلة.
والسؤال: هل ما حكيته لك أمر طبيعي؟ أم أنني لا أشعر بنعمة الله علي وعلى ولدي لذا أنظر للجانب السلبي في التزامه طريق الله لا الجانب الايجابي؟