تهتم أبحاث تربوية عديدة بدراسة قضية الإنترنت والأطفال الذين لديهم فضول أكثر من الكبار في التعرف إلى كل جديدٍ حولهم، خصوصًا إذا كان ذلك يتعلّق بالألعاب والمعلومات، هذا إضافة إلى أنّ الشبكة العنكبوتية تخلق جوًّا من التفاعل والمشاركة بفضل ما توفّره من وسائل للتواصل الاجتماعي مع الأقران والأصدقاء والعائلة داخل النطاق الجغرافي الذي يعيش فيه الطفل وخارجه.
وعلى مدى العقدَين الماضيين زاد استعمال أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، بحيث يسارع الأطفال والشباب البالغين في استخدام هذه الأجهزة بطرق مختلفة بفعل تطوّر وتقدم التكنولوجيا. وقد لوحظ أنّ الأطفال هم مَن المستخدمين الإنترنت بكثرة، في الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، ومشاهدة مقاطع فيديو مختلفة، ورغم الفوائد العديدة للإنترنت، فلا بُد من الانتباه- أيضًا- إلى الأضرار التي يُمكن أن تشكل خطرًا على الصغار.
الإنترنت والأطفال.. أربعة فوائد
إن قضية الإنترنت والأطفال لا بُد من أن ينظر إليها من جميع الجوانب، فلا يجوز إهماله وهو يُعد بوابة التكنولوجيا الحديثة والثقافة، كما لا يُمكن أن نترك الأبناء يستخدمونه دون رقيب، فالنفع والضرر موجود في آنٍ واحد.
ولقد أصبح الإنترنت في عصر التطور التكنولوجي من أكثر العوامل المؤثرة في رسم أبعاد شخصية الطفل وتحديد سلوكياته بشكل كبير، حيث تترك محتويات صفحات الإنترنت أثرًا عميقًا في سلوكه وتفكيره سواء كان ذلك إيجابيًّا أو سلبيًّا.
يقول عبد المجيد سالم- باحث تربوي من سورية: لم يعد خافيًا أنّ هذه الوسائل تُؤثر في نمو الأطفال تأثيرًا كبيرًا من النواحي النفسية والفكرية والقيمية والسلوكية، وتشكل مصدرًا مهمًّا لمعارفهم وخبراتهم، وتفتح أمامهم آفاقا استكشافية واسعة. من جهة أخرى فإنّ من خصائص هذا العصر الذي نعيشه، أنّ الأسرة والمدرسة لم تعودا وحدهما مصدرا الثقافة والمعرفة والأخلاق، بل ظهرت وكالات اجتماعية ووسائط معرفية وثقافية أخرى تشاركهما هذا الدور، وتقدم للأطفال المادة المعرفية والثقافية والقيمية باختلاف أشكالها.
فالإنترنت ليس في جميع أوقاته مضرا للأطفال، إذ أن الكثير من العلماء النفسيين والتربويين رصدوا العديد من إيجابياته التي ينبغي أن تستثمرها الأسر والمجتمعات، ومن هذه الإيجابيات:
- المحور التربوي: حيث يسهم الإنترنت في تنمية شخصية الطفل، وتوسيع أفكاره ومداركه، وتطوير إمكاناته وقدراته المعرفية والفكرية والتعبيرية واللغوية.
- المحور التثقيفي والتعليمي: فقد شكل الإنترنت وسيلة مهمة لتطوير ثقافة الطفل، وأتاح له التعرف إلى أحدث المعارف والاكتشافات، والاستفادة من خدمات المواقع الثقافية والمكتبات الإلكترونية، كما أدى دورًا إيجابيًّا في عملية التعليم.
- المحور الانفعالي: إذ اضطلع الإنترنت بدور فعال في تهذيب انفعالات الطفل، ومعالجة بعض المشكلات النفسية، يضاف إلى ذلك فضائل الحوار والتفاعل، وتبادل الأفكار والآراء مع الأقران، وإشاعة أجواء البهجة والمتعة والتشويق، كونه يجمع بين المادة المسموعة والمرئية والمقروءة.
- المحور الاجتماعي: فالإنترنت ينمي مفهوم الحياة الاجتماعية لدى الطفل، ويساعده في عملية التكيف مع البيئة المحيطة به، واكتساب السلوكيات التي ترسخ علاقات اجتماعية سليمة، واكتساب القواعد الأساسية التي تنظم تلك العلاقات.
الإنترنت والأطفال.. خمسة أضرار
وعند دراسة موضوع الإنترنت والأطفال يجب الانتباه إلى السلبيات التي يخلفها الإنترنت على سلوكيات وشخصية الطفل، خصوصًا أنها زادت مع مرور الأيام والتطور التكنولوجي الهائل الذي حققته في الفترات الأخيرة ما يستوجب رقابة أسرية دقيقة على استخدام الأطفال لهذه الخدمة.
ولقد رصد بعض التربويين العديد من السلبيات التي يخلقها كثرة استخدام الإنترنت، في النقاط التالية:
- التعرض إلى الانحراف: حيث أصبح الكثير من الأطفال يدخلون إلى عالم الإنترنت، وبعض الأسر قد تتجاهل تلك المشكلة ظنًّا منها بأن الإنترنت له فوائد عظيمة للأطفال كونه مصدرًا متميزا للحصول على المعلومات والتثقيف، إلا أنّ قضاء الأطفال ساعات طويلة دون وعي أو رقابة يجعلهم عرضة للانحراف.
- فقدان الثقة بالنفس: حيث يعمل على فقدان ثقة الطفل بنفسه وإضعاف شخصيته، كما أنه يُعرّضه للتعرف إلى الكثير من الأفكار بعضها يكون مغلوطًا، وبخاصة المعتقدات الغريبة والثقافات التي لا تتوافق مع مجتمعه وبيئته.
- متلازمة الإنهاك المعلوماتي: فمن المشكلات التي يتعرض لها الطفل بسبب استخدامه الإنترنت دون رقابة هي كثرة المعلومات التي يتعرف عليها دون التأكد من صحتها، وبالتالي تعرض الطفل لما يسمى بمتلازمة الإنهاك المعلوماتي.
- تغيير سلوكيات الطفل: يُؤثر الإنترنت على سلوك الطفل تأثيرًا سلبيًّا، وبخاصة عند ممارسته للألعاب العنيفة، كما قد يتعرض لمشاهدة بعض المواد الإباحية، ما يؤثر على استواء أخلاقه ونفسه.
- الوحدة والانطواء: كثرة جلوس الأطفال أمام الكمبيوتر أو كثرة تصفحهم للهاتف المحمول تجعلهم أشخاصًا غير اجتماعيين، وتشعرهم بالوحدة والانطواء.
لذا، حذّرت منظمة اليونيسف من تزايد إقبال الأطفال على الإنترنت في عددٍ من الدول، وقالت إنهم معرضون للخطر، وإن الشّبكة تحوّلت من صانعة لفرص التعلم إلى خطر يهدد الأطفال، خصوصًا ما يعرف بالعنف السيبراني الذي يُعرّض الطفل للسباب والشتم والإرهاب النفسي من خلال المحادثات، والصور والفيديوهات التي تُرسل إليه، ما يؤدي إلى اكتئابه وشعوره بأنه منبوذ ووحيد.
وقد طالبت المنظمة بضرورة تجنب قبول الغرباء في حسابات الأطفال، وبتجنب تبادل معلوماتهم الشخصية أو معلومات أُسرهم أو مواقع تواجدهم، كما طالبت الآباء بأن يتحققوا من إعدادات الخصوصية الخاصة بأطفالهم.
نصائح تربوية لحماية الأطفال من سلبيات الإنترنت
وبعد التعرف إلى الفوائد والأضرار خلال موضوعنا الإنترنت والأطفال فإنه لا بد من أن نشير إلى بعض النصائح التربوية لحماية الصغار من هذه الشبكة العنكبوتية، وهي:
- الحرص على تربية الطفل وتثقيفه وتنبيهه من مخاطر الإنترنت وكيفية استخدامه بشكل آمن، ويمكن ذلك من خلال التوجيه المباشر أو غير المباشر، أو عن طريق القصص.
- علينا أن نخلق نوعًا من التثقيف الذاتي لدى الأطفال بشأن ما يجدر بهم مشاهدته وما لا يجدر.
- لا نبالغ في تخويف الأطفال من استخدام الإنترنت، وعلينا أن نهيئ لهم حسًّا نقديًّا عاليًا وثقة جيدة بأنفسهم.
- نحرص على تكريس الهوايات في شخصية الأطفال ونمنحه وقتًا كافيًا لممارستها، مثل كرة القدم والسباحة والرسم وغيرها.
- ولا بد من خلق حياة اجتماعية سليمة للأطفال، فإدمان الإنترنت يكون بسبب العزلة في المقام الأول.
- يُمكن أن نقترح على الأطفال قنوات الإنترنت المفيدة والآمنة.
- يجب أن تكون المراقبة بعيدًا عن معرفة الطفل، وعلينا التأكد من أنه يتصفّح المواقع الآمنة.
- تحديد الوقت المسموح به لاستخدام الأطفال الإنترنت.
- التعرف إلى الأشخاص والمواقع التي يتعامل معها الطفل.
- تقييد المحتوى وتحديده للأطفال، وبخاصةً على موقع يوتيوب.
- استخدام سبل الأمان كافةً في حجب المواقع الإباحية والمخالفة للدين والأخلاق.
- تشجيع الأطفال على التحدث عن تجاربهم على الإنترنت، بفتح حوار عن حول اهتماماتهم على الشبكة، والقنوات والمواقع التي يفضلونها، ومعرفة أصدقائهم الذين يتحدثون إليهم.
- ولا بد من أن يكون الآباء والأمهات قدوة لأبنائهم، فلا يجوز أن يجلس الأب والأم على الإنترنت بالساعات، في أغراض غير العمل، ويطالبون الأبناء بالتخلي عن هذه الوسيلة، وربما يحدث ذلك بالعنف.
- وضع جهاز الحاسوب في مكان على مرأى من جميع أفراد المنزل.
المصادر والمراجع:
- كيفية حماية الطفل من مخاطر الإنترنت https://bit.ly/3GbzX12.
- مخاطر استخدام الأطفال للإنترنت وطرق حمايتهم https://bit.ly/3gaxXLK.
- مخاطر وإيجابيات استخدام الطفل للإنترنت https://bit.ly/3AIlGrm.