كسرت وسائل التواصل الاجتماعي الحواجز الاجتماعية والجغرافية، وتسللت إلى غرف النوم، ودقائق الحياة الشخصية، وكانت سببًا في انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للفتيات، التي طفت على السطح في الآونة الآخيرة، وهي من أكثر أنواع الجرائم الإلكترونية إزعاجًا للأسر، ويمارسها ضعاف النفوس لقلة إيمانهم وانعدام المحاضن التربوية من حولهم، وكذلك تقصير الأهل في تربيتهم، أو لوقوعهم في حبائل الشيطان.
ويسعى المبتز إلى الحصول على مكاسب مادية أو معنوية، عن طريق التهديد بفضح الأسرار والمعلومات ونشر الصور التي غالبًا ما يفبركها للضحية بعد الدخول إلى صفحته ثم استدراجه للحصول على أحاديث وصور أخرى، وقد تُؤدّي الجريمة في بعض الأحيان إلى وفاة الضحية بالانتحار وتدمير الأسرة.
مفهوم الابتزاز الإلكتروني
الابتزاز الإلكتروني هو جريمة إلكترونية يحتفظ فيها شخص بملفات إلكترونية خاصة بالضحية، بنيّة الحصول على مقابل مالي أو تنفيذ طلب معين سواء كان هذا الطلب يندرج تحت الأمور الأخلاقية أو غير الأخلاقية، وهي من الجرائم المستحدثة بفعل التقدم الكبير في تكنولوجيا المعلومات وباستخدام علم الهندسة الاجتماعية.
وبمعنى آخر فإن هذه الجريمة عبارة عن تهديد بإفشاء أمور ماسة بحياة الفرد الشخصية والخاصة جدًا وبشرفه في كثير من الأحيان(1)، وقد جاء في معجم لغة الفقهاء: أن “الابتزاز هو أخذ الشيء بجفاء من غير رضا صاحبه”.
أسباب الابتزاز الإلكتروني
في ظل خلل المنظومة التربوية وعدم تفعيل القوانين الرادعة، وفي غيبة المربّين والدعاة والمصلحين انتشرت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للفتيات، التي قد تُؤدي إلى إقدام إحداهن على الانتحار خوفًا من الفضيحة، ومن أهم أسباب هذه الظاهرة ما يلي:
- انعدام الكينونة التربوية التي تحكم أخلاق الأفراد وعدم وجود رقيب داخلي أو خارجي يصحح ويوجه الأفراد إلى الطريق الصواب.
- غياب الرقابة من أولياء الأمور، والحرية الزائدة التي قد يمنحونها لبناتهم أو لأولادهم ما يُوقعهن في تلك المشكلات.
- الضغوط النفسية السيئة التي تتعرض لها الفتاة في البيت من الإهانة، وربما الضرب والتعذيب من بعض أفراد الأسرة، وضعف علاقات الود والعاطفة بين أفراد الأسرة، وغياب الألفة، ولغة الحوار، والتفاهم؛ ما يجعل الفتاة تبحث لها عن متنفس.
- الفراغ، وغياب الأهداف لدى الشباب والفتيات، وقلة وجود المشاريع التنموية، والترفيهية المعدة لاستثمار الطاقات الشابة.
- الفراغ الروحي أو العاطفي بالإضافة لأصدقاء السوء، والاختلاط بين البنين والبنات.
- قلة الوعي بوسائل التكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها والتحذير من عواقب استخدامها بشكل خاطئ.
- هوس الشباب بالتقليد ومحاولة عيش القصص المثيرة والمغامرات الشيقة وعدم إدراك عواقب ذلك.
- الرغبة في الحصول على المال: يهدف المبتز إلى أن يحصل على مبالغ ضخمة بأي صورة أو شكل من الضحية مقابل عدم فضحه.
- الفقر، والحاجة، والعوز قد تدفع بعض الشباب لممارسة الابتزاز للحصول على المال.
- الرغبة في الحصول على خدمات جنسية إلكترونية: فقد ينحدر المبتز أخلاقيًا ويستخدم صورًا وأدوات ضاغطة، بل قد يستخدم بعض التقنيات في تركيب الصور والفيديوهات، ويطلب خدمات جنسية على الكاميرا أو على الهاتف، أو فعليًا لإشباع غرائزهم الجنسية مقابل مسح الصور والمعلومات.
- تخريب العلاقات الأسرية: حيث يلجأ البعض بعد حصوله على الصور أو الفيديوهات إلى تخريب أسرة بعينها أو فتاة يمارس عليها الضغوط، مقابل \عدم فضحها أو أسرتها على وسائل السوشيال ميديا.
- إسقاط الأشخاص لمصلحة طرف معادٍ أو لعدو: حيث يحاول المبتز الحصول على معلومات أو أسرار مؤسسة لمصلحة طرف آخر فيلجأ إلى عملية ابتزاز ضد أحد العاملين في المؤسسة أو الدولة للحصول منه على تلك المعلومات(2).
كيف يحدث الابتزاز؟
تدور دائرة الشبهات أول ما تدور حول الأقرباء كونهم أكثر الناس معرفة بثغور ونقاط الضعف لدى الأسرة أو فتياتهن.. لكن مع اتساع المجال التكنولوجي وكسر حاجز الخصوصية وتجرأ البعض على نشر حياته الشخصية كاملة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع زيادة التقنيات أصبح المبتز قادرًا على استغلال المحتويات الشخصية للشخص وتهديده بها، وبخاصة الفتيات الصغيرات.
وتشير الدراسات إلى أن الضحية مسؤولة بنسبة قد تقترب من 80% عن تعرضها إلى الابتزاز الإلكتروني الذي يكون في بعض الأحيان وهميًّا، وذلك إما من خلال مشاركتها بصور أو فيديوهات تخصها مع آخرين، أو من خلال عدم إتقان الطريقة المثلى للحفاظ على الخصوصية المعلوماتية، وعدم تمكين الآخرين من اخترق الهاتف أو البريد الالكتروني أو الكمبيوتر الخاص.
ولا يشترط في هذه الحالة أن يكون المبتز يجيد الاختراق، فقد يجد هذه الملفات على هاتف مفقود أو وحدة تخزين أو ما شابه ذلك، أو قد ترسل الضحية نفسها الفيديوهات والصور للمبتز لغرض ما(3).
الإسلام والابتزاز
ولقد جاء الإسلام بتشريعات محكمة تحمي الفرد والأسرة والمجتمع من أي ابتزاز، وغلظ العقوبات التي تُؤدي إلى إشاعة الفاحشة، كما جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، وما يخدمها ويكملها.
لذا فالموقف الإسلامي شديد الوضوح في مقاومة الابتزاز الإلكتروني للفتيات ولجميع أفراد الأسرة، كونه نوع من أنواع الاعتداء على الغير، حيث يقول الله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: 190].
بل إن الإسلام اعتبره نوعًا من الرغبة في إشاعة الفاحشة، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[النور:19].
وروى أبو داود أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّعَ مسلمًا”، ورُوي أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانوا يسيرون مع النَّبيِّ، فنام رجلٌ منهم فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه فأخذه ففزِع، فقال رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا”. (حسن على شرط الصحيحين أو أحدهما).
والإسلام جعل مَن يُكره الفتيات على فعل الفاحشة معه أو مع غيره ويتقاضى على ذلك أموالًا أو مصالح أخرى فعمله هذا يدخل في المتاجرة بأعراض الآخرين، والتكسب منها تحت التهديد بكشف الأسرار والفضيحة بنشر ما فيه تحقير للفتاة أو أهلها عند أسرهم ومجتمعهم، ومن فعل ذلك ينطبق عليه وصف الإفساد في الأرض، الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
ولم يقتصر الإسلام على ردع المعتدين بل عمد إلى سد منافذ الرذيلة التي قد تكون دافعًا كبيرًا في ابتزاز الفتيات، ففرض الحجاب وحرّم النظر بشهوة كما حرم الاختلاط وزينة النساء أمام الأجانب أو الخضوع بالقول والتركع فيه(4).
وشدد الإسلام على تجريم هذه الظاهرة، لأنّ الابتزاز يؤدي إلى انهيار الأسرة وتفكك المجتمع ونشوب الصراعات بين أفراده، وتعطل دائرة الإنتاج، وارتفاع نسبة الانتحار بين الفتيات اللاتي قد يلجأن له خوفًا من الفضيحة أو بطش أسرتها أو نظرة المجتمع لها، بل وتدمير العلاقات الاجتماعية.
هذا غير الانتشار الواسع والكبير للجريمة في المجتمعات، وانتشار الأمراض النفسية بنسب كبيرة، وانتشار الأمراض الجنسية بسبب نشوء علاقات خارج إطار الزواج، وزيادة الفوضى وعمومها وقلة الطمأنينة(5).
مقاومة الابتزاز تربويا
ويُمكن علاج ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للفتيات من الناحية التربوية، بكثير من الجهد والعمل في أكثر من مجال، على النحو التالي:
- التقرب من الله- سبحانه وتعالى- والعمل على مراقبة الأبناء وحُسن تربيتهم وتقوية الوازع الديني لدى البنين والبنات.
- توفر المودة والحنان، خصوصًا للبنات ومتابعتهن وتفقد شؤونهن مع التقرب لهن وعدم تركهن فريسة سهلة.
- الدعاء والالتجاء إلى الله مع منح الثقة للأبناء حتى يستطيعوا حُسن التصرف بل ودفعهم لأن يتحدثوا مع والديهما إذا تعرضن لمثل ذلك.
- إقامة الدورات التوعية للتحذير من هذه الظاهر في وسائل الإعلام المختلفة وفي مدارس البنات والجامعات.
- تفعيل البرامج التثقيفية الخاصة بالوالدين في كيفية التعامـل مـع الأبناء والبنات، واحتوائهم، وتبصيرهم بالأخطار التي قد تصيبهم، تثقيفًا شرعًيا ونفسيًا وتربويًا واجتماعيًا وعلميًا.
- التوسع في افتتاح المراكز الاجتماعية في الأحياء والخاصة بفئة الشباب والفتيات، وعرض الدورات التدريبية والتطويرية في كل ما يهمهم.
- الضبط الانفعالي للفرد والسيطرة على انفعالاته ومشاعره، وعدم ترك مجال للقلق والخوف أو التصرف بشكل غير واعٍ أو مسؤول.
- الحذر من تصوير أفراد العائلة، خصوصًا الإناث أو عرض صورهن على وسائل التواصل.
- على الفتيات مهما حدث لهن مصارحة الوالدين أو أحد الأقارب وعدم الانصياع للمبتز حتى ولو كانت مخطئة، لأنّ في استجابتها للمبتز خطأ أكبر.
- إغلاق سبل التواصل بين الضحية والجاني، وعدم التفكير في التوسل إليه وإظهاره بمظهر المتحكم بك وبمصيرك، وعدم الدخول في مفاوضات معه.
- إدراج مثل هذه الموضوعات في المناهج الدراسية وتطرقها للأخلاق الفاضلة والحث عليها والتنفير من الأخلاق السيئة ومنها الابتزاز.
- سن عقوبة رادعة للمبتز التي تتناسب مع عظم الجريمة، حتى لا يتجرأ غيره على فعلها مع آخرين.
- استخدام الإعلام في تبصير وتثقيف الناس ولا يكون معول هدم أو يقوم بنشر الخبر دون أن تصاحبه إضاءات نفسية واجتماعية حول طبيعة هذا السلوك الإجرامي وإدانة فاعله.
- اللجوء للجهات المختصة والإبلاغ فورًا عن المبتز مع السعي لجمع معلومات عنه وهويته وحسابه وتليفونه.
- التأكد من محو جميع الصور والملفات الحساسة قبل بيع الهاتف المحمول عن طريق البرامج المخصصة لذلك.
- عدم إرسال الصور الشخصية إلى أفراد غير معروفين على وسائل التواصل الاجتماعي حتى لغرض التعارف.
- اتباع الطرق الآمنة في استخدام الإنترنت، بعدم فتح الروابط مجهولة المصدر قبل فحصها من التهديدات(6).
إن الابتزاز من الظواهر الخطيرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة وراح ضحيتها كثير من الفتيات وسُجن بسببها كثير من الشباب، وتحتاج إلى تكاتف المجتمع والوقوف صفًا واحدًا في وجهها ومحاربتها للحفاظ على أمنه، وذلك بالعمل على نشر الوعي الثقافي والانفعالي للوقاية منه ومنع حدوثه.
المصادر والمراجع:
- سارة محمد حنش: المسؤولية الجزائية عن التهديد عبر الوسائل الإلكترونية، أطروحة ماجستير،كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، الأردن، 2020.
- ما هو الابتزاز الإلكتروني .. وما هي أسبابه؟ 3 أبريل 2021.
- صالح صبري: الابتزاز الإلكتروني؛ أبرز 8 أسباب للابتزاز مع الحلول والوقاية، 2 أكتوبر 2022.
- د.نورة بنت عبد الله بن محمد المطلق: ابتزاز الفتيات أحكامه وعقوبته في الفقه الإسلامي، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صـ27.
- أميرة اسماعيل محمد العبيدي: الابتزاز الالكتروني وأثره على حق الخصوصية للمرأة، 31 يوليو 2022.
- محمد بن فنخور العبدلي: ظاهرة الابتزاز، وأيضا: الابتزاز الإلكتروني: أنواعه وأضراره وكيفية التعامل معه.