لدي بنتان؛ 8 سنوات، و9 سنوات، الأولى الحمد لله ذكية بطريقة ملحوظة، وكل من يكلمها من أساتذة أو غيرهم يعجبون بها، وهي الأولى على قسمها، وهذا جعل البنت الثانية تتحمل مسؤولية أكبر من طاقتها، فهي تظن أن عليها أن تلحق بأختها وتكون مثلها، لكنها أصبحت كئيبة، خصوصا وقت الامتحانات وعندما لا تتحصل على العلامة الكاملة، تفقد الثقة في نفسها.
السؤال: كيف نعالج أمر البنت؟ وهل من طريقة لرفع مستواها الدراسي رغم الذكاء الأقل؟
كنا على وشك أن نعتبر سؤالك مكررًا وأننا أجبنا على مثله من قبل..حتى تزامن مع سؤالك قراءتنا لخبر على إحدى القنوات الإخبارية المعروفة.
يقول الخبر :(مقتل طفل مسموما على يد أم زميله بسبب غيرتها من تفوق زميل ابنها عليه)!
لنقرر أن مثل هذه الأسئلة لها أوجه في النفس أعمق من الشعور بخيبة الأمل لعدم تحقيق مستوى معين من التفوق الدراسي.
وأن عدم ضبط مسألة التفوق الدراسي ووضع مفاهيم ومعايير لمعنى التفوق.. قد يودي بحياة البعض، أو ينغص النعم على البعض الآخر في أقل تقدير.
السائلة الكريمة:
هل طفلة الثامنة أدركت بمفردها معنى التفوق؟ وأدركت تميز أختها عنها في هذه المساحة؟ أم كان للأسرة والمدرسة دور في تعزيز هذه المقارنة؟! وذلك بحصر التفوق الدراسي في شكل معين ، وأن من لا يتحصل عليه يكون قد أخفق من وجهة نظرهم؟!
السائلة الكريمة:
نعلم أن ما يحدث مع الابن الأكبر يخلق مقياسًا عفويًا يقيس الأهل عليه بقية الإخوة في كل شيء، فيقولون على سبيل المثال: (حمل أخوك الكبير كان يسيرًا، وولادته كذلك أو العكس).. فنبدأ المقارنة العفوية، فيتولد لدى بقية الإخوة أن المقياس الصحيح في أي حدث هو ما حدث مع الأخ الأكبر، ودونه هو الخطأ، فننتج من حيث لا نشعر قصص هابيل وقابيل أخرى، تتوسد فيها مشاعر الغيرة والحقد العلاقة بين الإخوة، بدلًا من أن تسود مشاعر حب الخير لأخ ولغيره.
فأولًا وقبل أي شيء، علينا أن نتوقف عن المقارنة في كل شئ.. وعلى أي شئ.. وأن نتعامل مع كل ابنة بشكل مستقل.
كما علينا أن ندرك مسألة الفروق الفردية؛ فعلى الرغم من أن الأب هو نفس الأب، والأم هي نفس الأم، وبيئة النشأة لم تتغير، فإن الناتج أبناء مختلفون بالكلية، وذلك بسبب أن لكل طفل خصائصه المختلفة، وأن المؤثرات التي تؤثر على أحدهم لا يكون لها أي تأثير على الآخر، والعكس بالعكس.
النتيجة أرض واحدة، وماء واحد، وثمار مختلفة!
فهل نقول بأن التفاح أفضل من الكمثرى؟!
كلٌّ له طعمه المميز، وكلٌّ له مذاقه الخاص، وكلٌّ له فوائده المتعددة المختلفة. ساعدي ابنتك على فهم الاختلاف وتقبله والرضا بما قسم الله لها .
وبعد أن ندرك مسألة الفروق الفردية، علينا أن نساعد الطفل في تحديد جوانب تميزه المختلفة. حتى الابنة المتفوقة دراسيًا، يجب ألا نختصر شخصها وتميزها في مسألة التفوق الدراسي فقط. فكم من متفوقات دراسيًا لكن لديهن مشكلات في التواصل مع المجتمع ، ولا يُجدن غير المذاكرة!
وبعد أن نساعد البنتين في اكتشاف جوانب تميزهما المختلفة، نبذل كل جهد مستطاع في تنميتها وتطويرها. ويفضل أن نفصل بين البنتين أثناء تعلم المهارات المختلفة؛ حتى إذا ما اتضحت شخصية كل منهما على حدة، دمجناهم لاحقًا في أنشطة مشتركة، لما فيها من منافع؛ كبناء ذكريات مشتركة، وتعلم مبدأ المشاركة وحب الخير للغير، والإيثار، وغيرها من فضائل الأخلاق التي لن تُبنى وهم يحيون في جزر منعزلة عن بعضهم البعض.
من المهم ومن الضروري التنبيه على المدرسين في المدرسة بالتعامل معهما كونهما شخصين منفصلين، ولا تسمحي بأي شكل من أشكال المقارنة؛ فإحساس الابنة الكبرى أنها ليست بكفاءة أختها الصغرى، يعطل من قدراتها الحقيقية؛ لأنها تبذل جهدًا في غير محله، ولو تخلت هي نفسها عن مقارنة نفسها بأختها، ستكتشف كم من المهارات لديها لكنها معطلة، فساعديها بكل الصور، أن تكون هي نفسها كما خلقها الله وحباها بما يميزها.
مقارنة الابنة الكبرى نفسها بأختها الصغرى قد تولد الغيرة التي لا تحمد. فنذكر الأهل أن عليهم دورًا في تحقيق العدل بين الإخوة قدر المستطاع.
وقد يقع الأهل أحيانا في خطأ إتاحة الفرص للطفل المتميز بدعوى أننا نرى نتائج تعبنا معه، ويهملون الاهتمام بالطفل ذي النتائج الأقل، فيساهمون في اتساع الفجوة بين الأبناء.
والقاعدة في العدل إعطاء الطفل ما يحتاجه، وتختلف احتياجات كل طفل عن الآخر.. ولا يقصد بالعدل طبعا المساواة في كل شئ..فكلٌّ له احتياجاته المختلفة.
- أظهري فرحًا حقيقيًا حينما تحصل ابنتك الكبرى على أية نتائج، طالما بذلت وأدت قدر استطاعتها، فيصلها قبول منك ومن مدرسيها.
- ساعديها في أن تتعلم أن تقارن نفسها بنفسها، فتقارن درجاتها في هذا الشهر بدرجاتها في الشهر الحالي. وبعدها تحدد سبب مشكلاتها الدراسية حتى نستطيع أن نقويها فيها.
- بالتوازي مع الدراسة يجب ألا تتخلى عن أنشطة تمارسها طوال الوقت.. حتى إذا ما أخفقت دراسيًا.. تجد ما يدعم تميزها في مهارة أخرى.. فلا تتعرض للإحباط.
- احرصي على التنبيه على أختها الصغرى ألا تعلق على مستوى أختها الدراسي.. وأن تكون داعمة ومعينة لها في فهم ما صعب عليها.. مما يبني ثقة الابنة الكبرى في نفسها، ويبني رباط أخوّة متين بينهما، فتكون لها كسيدنا هارون لأخيه موسى عليهما السلام، يكمل أخاه، ويكون له سندًا وعضدًا: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}.
ولن تكون هناك حلول حقيقية بغير قبول حقيقي منك ومن أبيها، لاختلاف قدراتهم عن بعضهم البعض. لكن يبقى الاستمتاع باختلاف شخصية كل منهما. فما أخفيناه من مشاعر نظن أن ليس لها تأثير، مع الأسف تصل، وتحدث أثرًا سيئًا. فكلما زاد قبولنا لأبنائنا انعكس ذلك على أدائهم بشكل أفضل.
ومهما تكلمنا كثيرًا عن أن النتائج لا تهمنا طالما أدينا ما علينا، سيظل هذا الكلام كلامًا حتى يختبر على أرض الواقع مع أول نتيجة ستحصل عليها الابنة الكبرى.. فإذا صدَّق عملكم قولكم، ورأت ترحيبًا باجتهادها، عززنا ما غرسنا من معانٍ بصورة واقعية..
ومن الجميل أن بعض الأنظمة التعليمية لجأت مؤخرًا لفكرة النتائج بالألوان بدلًا من الدرجات.. فحصرت النتائج بين ثلاثة ألوان (أحمر/أخضر/أزرق)؛ كمقبول، وجيد، وجيد جدًا، وممتاز.. وقد ساهمت هذه الطريقة في تقليل المقارنات بشكل عام.. وانشغال كل طالب بنتائجه.
نكرر ما بدأنا به الحديث، أن ترك الأمور تسير بلا تهذيب قد تودي بمشكلات أكبر وينقلب التفوق إلى غاية تستباح معها أسوأ الوسائل، في حين أنه بالتهذيب والإشارة إلى مناح التفوق المختلفة لكل إنسان يقل هذا الوله بالتفوق الدراسي؛ حيث تنضج مهارات أخرى مهمة أو أكثر أهمية.
أقر الله عينك بابنتيك كما تحبين أن تريهما: {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّق۪ينَ اِمَاماً}