نحن ثلاثة من الشباب الأصدقاء في أوسط التعليم الجامعي، جمعتنا الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وفرقتنا الدراسية الجامعية، فكل منا يدرس في كلية مختلفة، وربما جامعة مختلفة عن الآخر، ولكن بفضل الله لم تنقطع صداقتنا، فنحن نلتقي دائما لنتبادل الأخبار وربما الأسرار.
إلي أن جاء اليوم الذي جلسنا سويا نتجاذب الأخبار والأحوال حول الوطن ومستقبلنا فيه ووصلنا إلي أخطر قرار في حياتنا، والعجيب أننا جميعا التقينا علي هذا القرار، واتفقنا عليه وكأننا معبئون به منذ زمن.
والقرار أننا سنترك بلدنا الحبيب فور تخرجنا إلي غير رجعة! بل لقد قرر كل منا إلي أين سيقصد من البلدان، وفي أي مجال سيعمل، بل لا نخفيك سراً إذا قلنا إن غالبية آبائنا قد باركوا هذا القرار ورحبوا به من أجل حياة آمنة مستقرة ذات العائد المناسب، بل ونزيدك من الشعر بيتا إذا قلنا إن بعض الآباء قالوا إنهم لو استطاعوا أن يفعلوا ذلك لفعلوه منذ زمن، لكن أعمارهم الآن وظروفهم لا تسمح بذلك، إلا أنهم يحثوننا على هذه الخطوة وإن كان ثمنها فراقهم؛ لأن مصالحنا وأمننا واستقرارنا أهم من عواطفهم!
أما عن السبب الذي جعلنا نتفق علي هذا القرار رغم خطورته، فحدث ولا حرج عن الشعور بعدم الأمان والخوف من المستقبل، زد علي ذلك ما نشعره من غربة داخل أوطاننا نجدها في كل نواحي الحياة الوظيفية والمادية وفي المعاملات، ويكفي أن تعرف أن صديقا لنا يعمل طبيباً وهو من أنبغ من أخرجته بلدنا كان يهان في المستشفى من عناصر الأمن حتى انتهى به الأمر للهجرة للخارج ليحفظ حياته ويرتقي فيها سلم الرقي العلمي والوظيفي والمادي.
وحتي لايتهمنا متهم بعد الانتماء للوطن وتقدم المصلحة الخاصة علي العامة نقول لك ولقرئك الكرام:
مهما عبرنا من حبنا لوطننا لن تكفي لغتنا للتعبير عن حبنا لذرة من تربته أو قطرة من مائه أو موقف طيب من مواقف أهله الطيبين، لكن النفس هذا البلد لم يعد آمنا ولا مستقرا ولا دافعا للمستقبل.