العلماء الربانيون هم سادة الناس وقادتهم الأجلَّاء، وهم منارات الأرض، وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، المرادُ بهم الخير، ومن هؤلاء الشيخ حسن أيوب أحد أعلام الدعوة إلى الله- عز وجل- والذب عن دينه، والوقوف مع المظلومين والمهضومين.
ولقد كان الشيخ- رحمه الله- مُحببًا إلى قلوب الناس، يعرف أقرباؤه منزلته، ويعرف البعيد منه فضله وعلمه، ولطالما كان هادئ الطباع وحسن الأسلوب مع الناس عندما يستفتونه ويسألونه.
نشأة الشيخ حسن أيوب
وُلِدَ حسن محمد أيوب في قرية فيشا الكبرى بمركز منوف بمحافظة المنوفية بمصر عام 1918م في بيت دفع به أبواه لحفظ كتاب الله وتربيته على احترام العلم والأزهر، ما حبّبه فيه والتحق به مُنذ الصغر إلى أن تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر سنة 1949م.
وبعدما تخرّج حسن أيوب عمل مُدرسًا في وزارة التربية والتعليم، وكان مشهودًا له بإتقان العمل والتمكن العلمي والتواصل مع الطلاب والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة وتبسيطها برغم صعوبة المناهج في تلك الفترة، ثم عمل موجّهًا في وزارة الأوقاف، ثم مديرًا للمكتب الفني بها.
انتقل بعد ذلك للعمل في دولة الكويت، واعظًا وخبيرًا ومؤلفًا، ثم انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية؛ فعُيِّن أستاذًا في الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذًا في معهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة.
ظل “أيوب” عاملًا مجاهدًا حتى توفاه الله مساء يوم الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 13 رجب 1429هـ عن عُمر ناهز 90 عاما، وشُيّعت جنازته من مسجد الأشبكية بمدينة منوف بجوار مستشفى المواساة، ظهر الخميس 17 يوليو 2008م، ودُفن في مقابر الأسرة بمنوف.
الشيخ حسن أيوب والإمام البنا
يقول الشيخ حسن أيوب عن علاقته بالإمام البنا: عِشت مع الإمام فترة لا تقل عن خمس سنوات، وأعجبت بشخصيته، وله عليَّ فضل كبير. وحين يتكلم عن الإسلام يتكلم بطريقة لا أعرفها، ومن زوايا لا أستطيع الدخول فيها. ويضع الحلول الرائعة لقضايا الأمة. وحين يقرأ الآية من كتاب الله، أو يقرأ الحديث فكأني أسمع معنى الآية لأول مرة والحديث كذلك، وكأن هذه الأحاديث قائمة لحل مشاكل البشر؛ ولكننا لا نراها فكيف رآها هذا الرجل، ولم يرها علماء الدين.
وتعرَّف “أيوب” إلى دعوة الإخوان المسلمون وانتسب إليها، فكان لمكانته باعتباره شيخًا أزهريًا مع قدراته العلمية والخطابية والدعوية المؤثرة أثر عظيم في الشباب.
لقد كان الشيخ- رحمه الله- من فرسان المنابر العظام؛ فإذا تكلم أسمع، وإذا وعظ أثر، مع طرافة في الأسلوب، وذهن حاضر متقد وقتما كان بمصر في بداياته، حتى إنه تعرض للاعتقال والاضطهاد والتعذيب من نظام عبد الناصر، وبخاصة بعد أحداث المنشية عام 1954م، حيث قضى في آتون السجن سنوات عدة، وناله من التعذيب ما ناله، حتى خرج بعد زوال العهد الناصري.
وعن رأيه في تعدد الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة، يقول الشيخ- رحمه الله-: كل الجماعات الإسلامية تهدف إلى عودة المجد الإسلامي برفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعدد الجماعات دليل خير ودليل صحوة ما دام الكل يريد وجه الله، وإن اختلفت الوسائل.
أما إذا تحولت هذه الجماعات إلى عنصرية تزرع كل جماعة في نفوس أبنائها الحقد على الآخرين فهي حينئذ بدعة منكرة وتمزق يحرمه الدين ويأباه شرع الله. والجماعات الإسلامية إن تنافرت وتباغضت فقد بعدت عن الحق وارتكبت الكبائر. وعلى الجماعات أن تعرف طريق الوحدة وطريق الأخوة الحقة وطريق الإيثار.
جهود دعوية
سعى الشيخ حسن أيوب سعيًا حثيثًا في مجالات العمل الدعوي والوعظ وتصحيح مفاهيم الإسلام، فشملت جهوده الواسعة الخطب والدروس والمواعظ العامة، وله أكثر من ألف شريط صوتي.
وساهمت كتاباته في إثراء المكتبة الاسلامية، وكان آخرها الموسوعة الإسلامية المُيسّرة التي بلغت خمسين جزءًا، وتميزت بسهولة الأسلوب وأظهرت جمال الإسلام وكماله؛ حيث كانت آخر ما دوّن- رحمه الله.
وأثمرت حركته الدائبة عشرات الدعاة الذين هداهم الله على يديه، في مرحلة طغى فيها المد التغريبي وعلت بعض أصوات الإلحاد والانتقاص من كرامة الدين والمتدينين.
وأسس الشيخ في الكويت العديد من المشروعات الدعوية والخيرية، في مقدمتها “لجنة زكاة العثمان” التي تُعد من أشهر لجان الزكاة بالعالم العربي.
وفي فترة عمله بالمملكة العربية السعودية، كان يؤم ويخطب في جامع العمودي بجدة ويعالج قضايا الساعة وهموم المسلمين، ويتوافد الناس إليه من كل حدب حتى لا تجد في المسجد مكانًا من كثرة الزحام.
وبعد أن كبر السن وضعفت القوى، حنَّ الشيخ إلى وطنه، فعاد ليكمل مسيرة العطاء في مركزه منوف؛ فأخذ يواصل الجهاد والعطاء بإقامة الدروس والمحاضرات، ولم يكتف بمسجده في منوف، بل امتدت دعوته لتشمل الطلاب الوافدين للدراسة في كلية الهندسة جامعة المنوفية، والموجودة بمركز منوف، فكان يلقي المحاضرات، ويتعهد الطلاب بالنصائح الغالية.
وكان- رحمه الله- له دور اجتماعي، فكان يتعهد الفقراء بالمعونات المادية، ويحاول جاهدًا أن يبذل جهده وطاقته لراحتهم وإسعادهم، وظل على هذا الحال حتى حيل بينه وبينهم بسبب الظروف التي مرت بها البلاد وقتها، وظل- رحمه الله- يؤدي رسالته بحسب ما يتاح له من فرص ووسائل ومناسبات.
وكان للشيخ- رحمه الله- مكانة مرموقة ومنزلة رفيعة، فقد رُزق القبول، وأحبه الناس، وحرصوا على سماع دروسه وفتاواه، واقتفاء آثاره العلمية، وأشرطة دروسه ومحاضراته، وهو عالم كبير، وفقيه متمكن، وقد كان الناس يفزعون إليه عند الملمات، فيجدون عنده ما يخفف عنهم هموم الدنيا ومصائبها.
آراء تربوية وفكرية
كان الشيخ حسن أيوب- رحمه الله- ذا عقيدة وسطية وفقه مرن مُيسر، فتباعد عن الغلو والتطرف، وسلك طريقًا وسطًا يسير فيه بنور القرآن الكريم وسُنّة النبي الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم- دون إفراط أو تفريط، وقدم في ذلك كتاب “تبسيط العقائد الإسلامية”.
نظر الشيخ إلى الإسلام نظرة الفقيه الواعي؛ فأخرج روح التيسير منه إلى الحياة يفتى بها الناس ويعلمهم، ولأن “الأسرة” هي قوام المجتمع الإسلامي، صار الشيخ- رحمه الله- يُبيّن أحكامها ونظامها؛ فبين بداية أنه لا شيء في الإسلام يقول بإجبار المرأة على العيش مع مَن لا تُحب، فيجب أن تختار بكامل حريتها شريك عمرها، وأن قوامة الرجل عليها في البيت لا تتعدى طاعته في حياتهم الأسرية الخاصة.
وأكد الشيخ- رحمه الله- أن المرأة لها رأيها، وقد يكون أصوب من رأي الرجل نفسه، وأن التحقير من شأنها هو طريق الجهلاء.
وينبغي على تلك الأسرة القائمة على السماحة والحب ونظام الإسلام أن تنشئ الجيل الصالح الذي يضيف للحياة شتى ألوان الخيرات التي يحتاج إليها الناس، عن طريق الإيمان المتمثل في الأب والأم، والأخلاق الحسنة بينهم، وتبادل الاحترام.
وعلى هذا النحو تكون التربية الصحيحة الهادفة للأولاد، وعلى هذا المنوال كانت التربية قديمًا حتى خرج لأمة الإسلام أمثال صلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح وغيرهما من المضحين لهذه الأمة.
فكان الشيخ بهذا مبينًا لقيمة المرأة وحقوقها في الإسلام بشكل رزين واضح يرد به على دعاة التحلل والانحراف في هذا اليوم.
والأسرة- لديه- إذا أخذت بمنهج الله وتشريعه، ظللتها السعادة، وعاشت آمنة مستقرة، وكانت منارة تهدي، ولبنات تبني أجمل بناء وأحسنه، من تخريج أولاد وذرية ذات استقامة على طاعة الله. تسهم في بناء المجتمع ورفعته.
وما من أسرة أعرضت عن تعاليم ربها، وإرشادات نبيها إلا وأصابها من التعاسة والشقاء والضياع والحرمان ما يفوق الحصر، ويشقى بشقائها كل من عايشها واختلط بها وتابعها في انحرافها عن شرع الله. ويكفيها قول الله فيها: {وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ} (طه: 124).
وكان من أشد ما يؤلم الشيخ- رحمه الله- حال أمته الذي يندى له الجبين من أفعال ذوي السلطة والحكم فيهم من اضطهاد وتنكيل لهم، يصف الشيخ رحمه الله هذه الحالة فيقول: “وإنك لتبكي أسىً وكمدًا حين تعلم أن العربي الذي يعيش في إسرائيل أكثر حرية من العربي الذي يعيش في كثير من الأقطار العربية، في إسرائيل يقومون بالمظاهرات ضد الشرطة، وعندنا في البلدان العربية إن خرجت مظاهرات سُلطت عليها النيران وضرب المتظاهرون بالرصاص وأخذوا إلى أقفاص التعذيب، حتى أصبحت لا تسمع صوتًا واحدًا حرًّا في أي بلد من البلاد العربية المحكومة بالديكتاتوريين وما أكثرهم في هذه الدول”.
والحل الذي يراه الشيخ لما آلت إليه الأمة، والدول العربية والإسلامية، هو الرجوع إلى دين الله القويم، وأن يتشبع هذا الإنسان بالإيمان بالله عز وجل، وأن يمتلئ بالفهم والخضوع لأسمائه تعالى، وشعوره بالسعادة وهو يتأسى بمدرسة محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى لا يجور الإنسان على أخيه الإنسان ويظلمه، فالإنسان بطبيعته الحيوانية لا ينقيه إلا الدين ولا يأخذ بيده إلى طريق المكارم والرُقي إلا نور الإيمان والعلم، والخوف من الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
وقد كان موقفه من القضية الفلسطينية مشرفًا كأي غيور على مقدساته ورفعة أمته، وأكد أنها قضية دينيّة وليست قضية سياسية، ومع ذلك أبعدت عن الدين وأبعد الدين عنها بشكل لا مثيل له، وانتزعت القضية انتزاعا من أحضان الإسلام لترمى رميًا في الشارع العربي كاللقيط، فصار ينفر منها أناس بدعاوى مغرقة في الجبن والحمق، ويتبناها أناس يريدون أن يبنوا لأنفسم مجدًا على حسابها، ولا يهمهم من أمرها سوى أنفسهم.
ونال الشيخ إشادات كثيرة من العلماء، فقال عنه السيد حمود الرومي رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلة المجتمع: حينما أتى الشيخ أيوب- يرحمه الله- إلى الكويت تزامن مع حضوره الشيخ حسن طنون من السودان، وكان المد الليبرالي والقومي منتشرًا في ذلك الوقت، ما أثر في المجتمع بظهور بعض التصرفات المخالفة للشرع من الشباب والفتيات.
وبعد أن حضر الشيخان الجليلان، عملا بالوعظ والدعوة إلى الله بما يتمتعان به من قدرة على التأثير في المدعوين والبلاغة في القول، بالإضافة إلى سلوكهما الملتزم الذي يتوافق مع ما يدعوان إليه، ما عمل على جذب الشباب لهما. وقد تتلمذ عليهما علماء كثيرون.
ويقول الشيخ القطان: إن الشيخ أيوب كان داعية شعبيًا، آثر أن يحاضر في مسجد العثمان بالكويت؛ ليكون بين البسطاء، تاركًا المساجد الكبرى كمسجد السالمية وغيره، وأنه قد جعل من هذا المسجد قبلة تتوحد فيها كل الجنسيات للمرة الأولى بالكويت، كما تحتشد فيه النساء لسماع خطبه ومحاضراته، حتى أصبح الحضور يجلسون في الطرقات حول المسجد.
ومن مؤلفاته وإسهاماته: كتاب الخلفاء الراشدون القادة الأوفياء وأعظم الخلفاء، وكتاب السلوك الاجتماعي في الإسلام، وكتاب السلوك الاجتماعي في الإسلام (إنجليزي)، وكتاب الفقه الشامل، وكتاب تبسيط العقائد الإسلامية، وكتاب دليل الحج والعمرة، وغيرهم.
المصادر والمراجع:
- الجهاد والفدائية في الإسلام. حسن أيوب. دار الندوة الجديدة -بيروت. 1403هـ= 1983.
- حسن أيوب: المكتبة الشاملة.
- الشبكة الوطنية الكويتية. الشيخ حسن أيوب في ذمة الله، 18 يوليو 2008.
- رحيل الشيخ حسن أيوب بعد حياة حافلة بالدعوة إلى الله. جمال الشرقاوي. مجلة المجتمع. العدد 1812 رجب 1429ه/ يوليو 2008م.
- مقابلة “المجتمع” مع الشيخ حسن أيوب. مجلة المجتمع: الثلاثاء 19 جمادى الآخرة 1402ه= 13 أبريل 1982م- العدد 566- السنة الثالثة عشرة.
- محمد بن محمود الصالح السيلاوي. صفحات من حياة داعية(فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق)، حقوق الطبع محفوظة، طـ 1، 2007، صـ 38.
- أحمد زكريا عبد اللطيف. الشيخ حسن أيوب ووراثة النبوة، 28 فبراير 2011.
- الشيخ حسن أيوب. إخوان ويكي، 15 أكتوبر 2012.
- الشيخ حسن أيوب مجدد روح الثقافة والعزيمة في الأمة. محمد عيد. 5 سبتمبر . 2020.
- برُّ الشيخ أحمد القطان بالشيخ حسن أيوب- رحمه الله.