رغم أن مشكلة بطء التعلم عند الأطفال حديثة نسبيًّا من حيث المصطلح، فإنها وُجِدَت تحت مسميات مختلفة منذ قرون، بل أصابت كثيرًا من العلماء وأصحاب نظريات خدمت البشرية أمثال أينشتاين وغيره، ومع ذلك لم يستسلموا وبحثوا عن الجوانب الإيجابية وكيّفوا شخصيتهم ومواهبهم معها حتى سطّروا أسماءهم في صحائف العلماء.
ومع كونها مشكلة يُعاني منها بعض الأطفال، إلا أنه يجب على الوالدين والمربين والأطفال أنفسهم ألا يجعلوها أزمة نفسية تقعدهم عن تحقيق النجاح، وتسبب لهم إحراجًا وسط الأقران، وربما التسرب من التعليم، أو اكتساب سلوكيات اجتماعية غير مقبولة.
مفهوم بطء التعلم
يُطلق مصطلح بطء التعلم على الطلاب الذين يُظهرون كفاءة أقل من زملائهم العاديّين في التعليم، ويتراوح معدل ذكائهم بين 70 إلى 85 درجة، ويجد صعوبة في اللحاق بزملائه في السن نفسه.
ومع ذلك فالطفل بطيء التّعلم لا يصل إلى مستوى التخلف العقلي، لكن فقط نسبة ذكائه منخفضة نوعا ما، ويجد صعوبة في الفهم والإدراك والتذكّر، ويحتاج إلى مزيدٍ من الوقت والتكرار، إضافة إلى كثير من الطُّرق الفعّالة في إيصال المعلومات، ليتمكن من التلقي والفهم، وربما يُحقق نجاحات في مجالات أخرى غير التّعلم(1).
أسباب بطء التعلم
تختلف أسباب بطء التعلم من طفل إلى آخر، فهناك أطفال يعانون بالفعل من انخفاض في الذكاء، ويكون ذلك هو السبب الأساسي لصعوبة تلقي المعلومات والفهم، وهناك أطفال يتمتعون بنسبة ذكاء عادية ومع ذلك ينضمون إلى قائمة بطيئي التعلم؛ لذا لا بُد من الوقوف على الأسباب والضغوط التي يُعاني منها هؤلاء الأطفال للوصول إلى العلاج بطريقة مُثلى، ومن هذه الأسباب:
- أسباب نفسية واجتماعية، كأن يكون الطفل خجولا أو يشعر بالقلق والانطواء.
- ومن الممكن أن يكون شعور الطفل بالكراهية أو الدونية أو التمييز بينه وبين إخوته سببا في هذه المشكلة.
- ومن المشكلات الاجتماعية التي تؤثر على الطفل، التفكك الأسري أو تدني المستوى المعيشي للأسرة.
- وكذلك ضعف الرقابة على الطفل وعدم وجود دور فاعل لأسرته، وهو ما قد يؤدي إلى ارتكاب الطفل العديد من السلوكيات الخاطئة.
- وإضافة إلى كل ما سبق، فإن الأسباب الصحية أو الوراثية، لها دور كبير في ظهور هذه المشكلة، سيما إذا كان أحد الأبوين من المدخنين أو قد يتعرض الطفل إلى حدوث مشكلة أثناء الولادة.
- وهناك مشكلات في الخدمات التعليمية التي لا تساعد الطلاب على الاهتمام بالدراسة(2).
- وهناك نوعان من بطء عملية التعلم لدى الأطفال، مكتسب: وذلك لوجود الطالب في بيئة غير مثيرة، أو لضعف المرافق المنزلية التي تستثير الطالب، أو تدني القدرات الصحية للطالب وعدم اهتمام الوالدين به، أو كره المدرسة وعدم تقبلها.
- والنوع الثاني وراثي: وهو ما يعود لأسباب جينية، مثل ضعف القدرات العقلية والمهارات المعرفية والنمائية.
- وهي أمور قد يُعاني منها الكثير من الأطفال الذين إذا تحسّنت ظروف البيئة التي يعيشون فيها ربما أثبتوا كفاءتهم وأظهرُوا مهاراتِهم ونبوغهم.
- وقد يعاني البالغون والكبار من مشكلة عُسر القراءة، واضطراب نقص الانتباه، واضطراب الحركة، وصعوبة الكتابة، وصعوبة التحليل ومعالجة المعلومات(3).
علاج مشكلة صعوبة التعلم
وقد اهتم العلماء بحل مشكلة بطء التعلم عند الأطفال، وسعوا إلى وضع الأطر النفسية والاجتماعية لدمجهم في المجتمع وكسر حاجز عزلتهم أو بعدهم عن الناس.
وتمثلت بداية هذا الميدان في إسهامات المتخصصين في (علم الأعصاب) الذين درسوا فقدان اللغة عند بعض الذين يعانون من إصابات مُخيّة، وتبعهم في ذلك (علماء النفس) (4).
ورأى كثير من التربويين والمتخصصين في مجال التدريس أنّ وسائل حماية الأطفال من هذه المشكلة، هي تحفيظهم القرآن الكريم، في الفترة التي تتراوح بين ثلاث وست سنوات؛ حيث يكون عقل الطفل يقظًا، وملكات الحفظ لديه نقية، ورغبته في المحاكاة والتقليد كبيرة.
وقد ثبت أنّ للقرآن الكريم فوائد نفسية جمّة، فهو يُقوِّم سلوك الطفل ولسانه، ويحميه من آفات الفراغ، وقد فَقِه السلف الصالح ذلك فكانوا يُحفّظون أطفالهم القرآن من سِنّ الثالثة.
ولتقويم صعوبة النطق أو القراءة حث العلماء المسلمين على:
- الاستماع إلى القرآن الكريم وطفلها جنين: كونه يتأثر نفسيًّا وروحيا بحالة الأم وما يحيط بها أثناء الحمل، فإذا ما داومت الحامل على الاستماع للقران فإنها ستحس براحة نفسية ولا شك أن هذه الراحة ستنعكس إيجابا على حالة الجنين.
- الاستماع للقران وهو رضيع: فمن الثابت علميًّا أن الرضيع يتأثر بل ويستوعب ما يحيط به، فحاسة السمع تكون قد بدأت بالعمل إلا أن هذه الحاسة عند الكبار يمكن التحكم بها باستعادة ما خزن من مفردات. أما الرضيع فإنه يخزن المعلومات والمفردات لكنه لا يستطيع استعادتها أو استخدامها في فترة الرضاعة غير أنه يستطيع القيام بذلك بعد سن الرضاعة.
- على الأب والأم قراءة القرآن أمام طفلهما، فهذا مما ينمي عند الطفل حب التقليد الذي فطر الله الإنسان عليه.
- ربط عناصر البيئة بآيات القرآن من ذلك: (الماء، والسماء، والأرض، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، والنخل، والعنب، والعنكبوت، وغيرها)، حتى يتحسن لسانه على النطق والكتابة ويراها أمامه فيتذكرها.
- تسجيل صوت الطفل وهو يقرأ القرآن: فهذا التسجيل يحثه ويشجعه على متابعة طريقه في النطق والكتابة والحفظ.
- تشجيع الطفل على المشاركة في الإذاعة المدرسية والاحتفالات الأخرى، لتنمية ملكاته ومهاراته اللغوية.
- حضّ الطفل على إمامة المصلين: ويمكن للأم أن تفعل ذلك مع طفلها في بيتها فيؤم الأطفال بعضهم بعضا وبالتناوب أو حتى الكبار، خصوصا في النوافل(5).
- الاستعانة بالوسائط التكنولوجية الحديثة، مثل: الأناشيد، والفيديوهات التعليمية، وكلما كانت مرئية ومسموعة كانت أكثر جذبا لانتباه الطفل.
- تحلي الوالدين بالصبر والثقة بأن أي مجهود سيبذل مع الطفل سيؤتي ثماره بإذن الله.
- العمل على الاكتشاف المبكر لفئة الطلاب الذين يعانون من هذه المشكلة عن طريق الاختبارات التشخيصية والإدراكية.
- وضع الخطط المنزلية والمدرسية المناسبة لقدرات هذه الفئة من الطلاب وتأهيلهم للحياة المدرسية والمجتمعية، وتدريبهم على تنمية القدرات النمائية والإدراكية.
- تقبل هؤلاء الطلاب والثناء على تقدمهم في التدريب والتعليم وعدم مقارنتهم بغيرهم من الطلاب، والاستفادة من قدراتهم في الأنشطة العملية والهيكلية وفقًا لقدراتهم ومهاراتهم.
- استثمار وتنمية قدرات هؤلاء الطلاب وفقًا لنمط الذكاء المتعدد الموجود لديهم (الحركي- الميكانيكي- المكاني- الفني)(6).
من الضروري التركيز على أهمية عدم وصف الطفل على أنه يعاني من بطء التعلم والتأخر الدراسي، بل يتم التركيز على الإسراع في التعرف إلى الحلول المناسبة وفق أطر تربوية صحيحة، وتشجيع الطفل وتقويمه في إطار قدراته ومهاراته.
المصادر والمراجع:
- د طارق عبد المجيد: بطيئو التعلم … السمات والعلاج، 31 أغسطس 2021.
- نور الأسدي: كيف تتعامل مع مشكلة بطء التعلم عند طفلك؟، 1 فبراير 2021.
- هبة سعيد: بطء التعلم عند الكبار وصعوبات التعلم عند البالغين، 10 أبريل 2020.
- د.حسام محمود زكي علي: التطور التاريخي لمجال صعوبات التعلم، 6 فبراير 2016.
- إبراهيم رشيد: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في الآية 29 من سورة الفتح، 2016.
- فتحي مصطفى الزيات: صعوبات التعلم : الأسس النظرية والتشخيصية والعلاجية (اضطرابات العمليات المعرفية والقدرات الأكاديمية)، دار النشر للجامعات، القاهرة، 1998.