أنا أم لعدد من الأبناء أكبرهم شاب لم يكمل العشرين من عمره، وقد اجتهدت منذ رزقني الله عزوجل بأبنائي أن أربيهم علي الإيمان والقرآن الكريم ومكارم الأخلاق، وأحسب أنني حتى الآن قد نجحت إلى حد كبير مع جميعهم إلا الابن الأكبر، فقد نشأ مثل أخوته وأخذ حظه من التربية كأخوته بل أكثر منهم، فمنذ نعومة أظفاره وهو ييمم وجهه شطر المساجد ومراكز تحفيظ القرآن وأماكن النشاط الموجه المحترم، حتي إذا ما أحس نفسه كبيراً بدأت تظهر عليه بعض التغيرات السلوكية التي نعيبها عليه، غير أننا كنا نصبر أنفسنا بأنها المراهقة وسرعان ما يهدأ بركانها ويعود الفتي إلى ما كان عليه. إلا أن الأمر لم يتوقف بل ازداد سوءاً في معاملته لنا وفظاظته معنا، وكنا نتعامل مع الموقف تعاملا حكيماً كمن يروض نمرا شرساً ليهدئ من روعه وهو مع الترويض يزداد شراسة وافتراساً؛ فقد تطور وضعه سوءاً حتى صار لا يترك باباً من أبواب الضياع إلا ولجه ولوجا يشعرك أنه ينتقم من نفسه ومن شبابه ومن والديه، ورفاقه أسوأ.
أنا لم أكمل الأربعين من عمري لكن لو رآني راء لظن أنني تخطيت الخمسين من فرط همي وتفكيري وانشغالي بولدي هذا الذي يهدر طوفانه الشرير ليل نهار ولايكاد يهدأ ولا أظنه يهدأ حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة.