يمرُّ الأطفال بمراحل مختلفة في الحياة تحتاج من الآباء اتّباع طرائق التربية التي تتناسب مع كل مرحلة، عبر مجموعة عوامل تتطور بمرور الوقت عندما يبدأ الأطفال في تطوير شخصياتهم الخاصة؛ ففي مرحلة الطفولة المبكرة يحاول الآباء التّكيف بما يتناسب مع طبيعة رضيعهم الجديد، وتكون العلاقة بين الوالد والطفل هي التعلق، لكن في مرحلة المراهقة يُواجه الآباء تحديات جديدة، كمحاولة أو سعي المراهقين إلى الحرية والرغبة فيها.
ولقد اهتم الإسلام بالطفولة أيّما اهتمام، وجعل رعاية الطفل وتربيته وحسن تأديبه بالوسائل المناسبة مسؤولية الأبوين؛ كما في الحديث الشريف: “كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه فالأميرُ الَّذي على النَّاسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرَّجلُ راعي أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلِها وولدِه وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرَّجلِ راعٍ على مالِ سيِّدِه وهو مسؤولٌ عنه فكلُّكم راعٍ، كلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه”.
تعريف طرائق التربية
الطريقة هي مجموع المبادئ والوسائل والخطوات وقواعد الفعل التربوي الذي يقصد إلى تحقيق الأغراض والأهداف والغايات التي نحددها، وتعرف – أيضا- بأنها مجموعة منظمة وواضحة من المقاصد والنتائج التربوية الموجهة نحو هدف معلن بصفة ظاهرة أو ضمنية.
وتُعرف طرائق التربية بأنها بِنية نفسية تُمثل الاستراتيجيات القياسية التي يستخدمها الآباء في تربية أطفالهم، ويُمكن أن تكون طريقة التّربية أكثر أهمية من مجرد مقدار الوقت الذي يقضيه المربي مع الطفل، فهذه الطرق تُعد تمثيلا لكيفية استجابة وتفاعل الآباء مع أطفالهم، وفي حين أن ممارسات التربية هي سلوكيات محددة، فإن الطرق تُمثل أشكالا أوسع من الممارسات، وهناك العديد من النظريات والآراء عن أفضل طُرق تربية الأطفال.
ويُمكن أن نميز بين ثلاثة معانٍ متداولة للطّرق التربوية:
المعنى الأول: يشير إلى اعتبارها اتجاهًا يبحث عن دعم بعض الغايات التربوية والتعليمية، فيؤدي إلى مجموعة واضحة من الممارسات، مثل الطرائق التقليدية والطرائق الحديثة، وما يجمع بين هذه الطرائق هو كونها تعمل على توظيف وضعيات ووسائل مختلفة تكون تابعة لمشروع تربوي واضح.
المعنى الثاني: يستعمل للإشارة إلى نوع من الأنشطة التي تهدف إلى إتاحة بعض أنواع التعليم، أو إلى تنمية بعض القدرات مثل الطريقة الكلية، وطريقة المشروع، وطريقة التعليم المبرمج… إلخ، والشيء الموحد في هذه الطرق هو طبيعة النشاط في خصوصيته التربوية، حيث يستدعي وضعيات ووسائل محددة.
أمّا المعنى الثالث فيستعمل للإشارة إلى وسائل خاصّة ذات استعمالات مضبوطة ترتبط بأهداف محددة مثل وضعية المشكلة، والمشاكل المفتوحة… إلخ، كما يُمكن أن نعتبر أنّ الطريقة التربوية هي في حقيقتها عبارة عن نموذج واضح ينطلق من الأسس المرجعية التي تستند إليها هذه الطريقة، وتنطلق من حرصها على تحقيق توازن بين متغيراتها الثلاثة: الغايات، والمرجعية العلمية، والوسائل والخطوات والأدوات.
وبصفة عامة أكدت البحوث أنّ تربية الطفل ونموه يرتبط بطريقة تعامل الآباء مع أطفالهم؛ فالآباء الذين يُوفرون لأطفالهم الرعاية المناسبة والاستقلال، يظهر على أطفالهم مستويات أعلى من الكفاءة والمهارات الاجتماعية، والحفاظ على علاقة وثيقة مع الآخرين، والاعتماد على الذات، والاستقلال.
تصنيف طرائق التربية
ويمكن تصنيف طرائق التربية إلى مستويين أساسيين: الطرائق التقليدية ويطلق عليها (طرائق البناء الخارجي)، والطرائق الحديثة ويطلق عليها (طرائق البناء الذاتي).
والقاسم المشترك بين الطرائق التقليدية أنها تتمحور حول تبليغ المعارف وسلطة المربي، وتعتمد على تلقين موضوع المعرفة، ومبادئها الأساسية تقوم على التبسيط والتحليل والتدرج من البسيط إلى المركب ومن الجزئي إلى الكلي، وتمتاز بالطابع الصوري؛ حيث تعتمد على التسلسل المنطقي والتصنيف، وتعتمد على الحفظ في التعلم وعلى التذكر عند التقويم، وتعتمد على السلطة والعقاب والمنافسة بين الأقران، وقوامها تنمية الملكات العقلية.
أما طرائق التربية الحديثة فتتمحور حول نشاط الطفل وتعلمه الذاتي، ومن أهم مبادئها: الانطلاق من دوافع المتعلم واهتماماته، ومراعاة مراحل نموه وحاجاته وقدراته، وتعلم الطفل عن طريق الملاحظة والتفكير والتجريد والنشاط الذاتي، وتعتمد على تنشئة الطفل انطلاقًا من حياته الاجتماعية، وتعتمد – أيضا- على المبادرة الشخصية والإبداعية والاكتشاف، وتستند إلى معايير الحرية والنشاط والقرار الشخصي والاستقلالية.
والأساس الفلسفي الذي تعتمد عليه الطرائق التقليدية هو أنها تُعد المعرفة المستقلة عن الذات، والوسط الخارجي هو المصدر الحاسم في تكوين المعرفة، ويُمكن اعتبار هذه الطرائق انعكاس لموقف اجتماعي وسياسي محافظ يعمل على إنتاج مجتمع بشكل ساكن بحيث لا ينتج إلا نسخا مكررة من الأفراد والنماذج الاجتماعية والثقافية التقليدية والمحافظة، ونذكر هنا ما نقله ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) ونسبه إلى سقراط بلفظ: “لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.
أما الأساس الفلسفي الذي تعتمد عليه الطرائق الحديثة في التربية فهو أنها ترى أنّ الطفل كائنٌ مستقلٌ يتميز بطبيعة خاصة مختلفة عن الراشد، وكذلك فإن لكل طفل إمكانياته الخاصة وله طرقه الخاصة في النظر إلى الأمور وفي الإحساس بالأشياء، وأن النمو الذهني للطفل يخضع لقوانين ثابتة، فالطفل في الطرائق الحديثة هو مركز كل الاهتمامات التربوية وأنه يجب احترام طبيعته واحترام إيقاع النمو الطبيعي لنشاطاته وقدراته واهتماماته.
مكونات الطرائق التعليمية
ونظرًا للارتباط الوثيق بين عمليتي التربية والتعليم، تشير إلى مكونات الطريقة التعليمية، حيث تتكون – من زاوية تنظيمها الداخلي – من أربعة مكونات أساسية هي:
1ـ المستوى المنهجي: ويشير إلى الوضع الذي تُحدده المعارف والخبرات التربوية المراد تربية الطفل عليها وعلاقاتها بالمجالات الاجتماعية التي ستظهر فيها.
2-الوضعيات المستعملة: ويُمكن ترتيبها في ثلاثة أنواع حسب بنية التواصل المقترحة من طرف كل وضعية منها:
النوع الأول: الوضعيات الجماعية المفروضة والأسلوب الإلقائي.
النوع الثاني: وضعيات النشاط المتداخل، وتتضمن جميع أشكال العمل بالمجموعات.
النوع الثالث: وضعيات فارقية، وتكون فيها الأنشطة التعليمية والتربوية مبنية على أساس الفروق والاختلافات بين الأطفال، وقد تكون هذه الفروق معرفية أو وجدانية أو ثقافية، وبذلك تشكل الوضعيات الفارقية إطارًا تربويًّا مرنًا وقابلا للتغيير حسب خصوصيات الأطفال ومواصفاتهم.
3- الوسائل المستعملة: نص، وصورة، وأداة… ويجب التنويع بين الوسائل بالأنماط التمثيلية للمتعلمين بين نمط سمعي أو بصري أو حسي، حيث إن كل متعلم يُكوّن صورًا ذهنية مناسبة لنمطه بشكل أفضل.
4- أشكال التقويم: حيث نجد أن كل طريقة تعليمية تتميز بشكل تقويم مناسب لها. وهذه هي مكونات طرائق التربية الأساسية حسب تنظيمها الداخلي.
ورغم أن الإسلام قد جعل أمر التربية على عاتق الأب والأمّ، لكونهما يمثلان العنصر الأساس في التربية، وخصوصًا في المراحل الأولى للطفل، فلم يلغ دور المجتمع بكلّ ما يشمل من مؤسّسات تربوية واجتماعية، ووسائل إعلامية ونوادٍ ثقافية ورياضية، ومراكز دينية وعبادية.. واعتبر أنّ تأدية كلّ واحد من هؤلاء دوره، يُساهم في خَلق المناخات التي تهيّئ لنضوج الطفل، ولبناء ركائز شخصيته التي تتنامى في المستقبل.
لذا، اهتمّ الإسلام بتكوين الطفولة المنسجمة مع مبادئه، من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تنفتح على الإنسان طفلاً وشابًّا وشيخًا، للتّخطيط لبناء جيل سليم نفسيًّا ودينيًّا وصحيًّا وتربويًّا وأخلاقيًّا، وللعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده لكونه خليفة الله في الأرض، ولبناء الحضارة الإنسانية على الصّورة التي يريدها الله في الإنسان كفرد وكمجتمع وكدولة.
المصادر:
- محمد نور سويد: منهج التربية النبوية للطفل، دار ابن كثير بيروت 2000 م.
- عبد الغني العمراني: أصول التربية، دار الكتاب الجامعي، صنعاء 2014 م.
- محمد الصدوقي: المفيد في التربية، بدون تاريخ نشر.
- موقع ويكبيديا على الشبكة الإلكترونية: https://bit.ly/31Cp4ak.