أعاني من فوضى عارمة في شتى أرجاء المنزل.. هل هذا بسبب التقصير في توجيه الأبناء؟ وهل هناك اقتراحات للمساعدة من التقليل من حالة الفوضى؟
الإجابة:
في البداية، نشير إلى بعض أسباب الفوضى، وهي:
- لجوء بعض الأمهات إلى عمل الأشياء بأنفسهن توفيرًا لإقناع أطفالهن بترتيب الحجرات وأماكن اللعب.. أو يحضرن مَن يساعدهن في المنزل، والمحصلة أن الطفل ينشأ ويشب ويترعرع على أن النظام مهمة غيره، وليست من مسؤولياته المباشرة.
- ومن أسباب الفوضى- أيضا- عدم تحديد أماكن للأشياء، أو قلة الرّفوف والأدراج في المنزل وهو ما يعوق الشخص المنظم في ترتيب المكان، ناهيك عن الشخص غير المنظم، فلديه الحجّة جاهزة وهي أنه لا يعرف أين يضع الأشياء، ما يزيد من حالة الفوضى.
- أيضا عدم التوعية بأن النظافة من الإيمان، يجعل الأبناء لا يشعرون أن التنظيم والترتيب خُلُق أصيل في دينهم.
- حب اقتناء الأشياء والتعلل بأنها ستنفع يوما ما، فيأتي الجديد على القديم فيتكدس المنزل، ويضيق الصدر ونشتكي ولا نعرف السبب!
حلول مقترحة:
- يأتي دور الأم والأب كقدوة لأبنائهم خطوة أولى في تحسين الأوضاع، فمن شبّ على شيء شاب عليه، ومَن شب على والد يعين الأم في رفع مائدة الطعام وتحضيرها، تصل الرسالة إلى الأبناء بأهمية المشاركة، ولا يحتاج الآباء حينها إلى خُطَب مطولة، فينشأ الأبناء متعاونين بداهة، لأنهم عايشوا ذلك مرارًا وتكرارًا.
- على الأم ألا تمل من التنبيه وإيكال كل طفل مسؤولية ترتيب حجرته، وأحيانًا يحتاج الأبناء إلى توضيح كيفية الترتيب، وكلما كانوا صغارًا أوكلنا إليهم مسؤوليات محددة واضحة، نبدأ بأشيائهم ثم نتوسع ليتعلموا التعاون في ترتيب المنزل بأكمله.
- قد يحتاجون إلى تسمية الأركان وتقسيم ترتيبها، فلا نقول رتب حجرتك على سبيل المثال، بل نقول رتب سريرك، رتب مكان مذاكرتك..إلخ، ونتابع ونوجه إذا لم تتم المهمة بالشكل المطلوب، ونحدد أوجه القصور والخلل، وكذلك نمدح حسن الأداء وتطوره.
- أيضا، يحتاج الأطفال إلى أن نساعدهم في تقسيم المهام الكبيرة، فلا نقول مثلا: “لِمَ اللعب؟”، خصوصا إذا كان وضع الألعاب مزريا، والأفضل أن نقول “ابدأ بلم المكعبات”، ونشيد بأداء المهمة، ثم ننتقل على شيء آخر غير المكعبات، حتى تتم المهمة، ولا تتعجلي بالتدخل، فبالتدريب سيتحسن الوضع.
- كما نقترح طباعة حديث النظافة من الإيمان، ويقوم الأطفال بتلوينه وتعليقه في حجراتهم.
- إرساء بعض القواعد التي تعين على التنظيم، مثل:
- لكل شيء مكان يأتي منه ويرجع له.
- الأشياء التي يتم إنجازها في وقت قصير لا يسمح بمراكمتها.
- أن تترك المكان أفضل مما كان.
- أن نبدأ بالأعمال المهمة الفارقة فالأقل أهمية، فمثلا نُعلّمهم إحضار صندوق نجمع فيه المبعثر في غرفة المعيشة مرة واحدة، ثم نوزع كل شيء في حجرته، ثم يأتي ترتيب الحجرات لاحقا، فبعض الأركان مثل المطبخ وغرفة المعيشة عندما تعمّها الفوضى تنقل شعورًا غير مريح للنفس والعين، فإذا ما بدأنا بها شعرنا بإنجاز كبير.
- عمل خطة زمنية لإكمال ما نقص في البيت من أشياء تُعين على الترتيب والتنظيم، وبالنظر- أيضا- إلى المتاح بالفعل ومع إعادة تنظيمه يصبح ذا فاعلية أكبر، وقد يغنينا عن الشراء.
- تعود على التخلص مما لا يلزمك من أشياء، فالشيء الذي مرّ عليه عام لم يستخدم نبدأ في وضعه تحت خانة ما يمكننا الاستغناء عنه، وإذا لم يستخدم بعدها بفترة يتم التخلص منه، فما لا يلزمك يلزم غيرك، ويعين على ترتيب البيت وعدم تكديسه، كما نثاب على التصدق بتلك الأشياء، بينما إذا مكثت بلا تصرف أكلها التراب!
- يوصي التربويون بجلسة أسبوعية تناقش فيها الأسرة أمورها المهمة، فنقترح وضع فقرة تتحدث عن النظام في الكون والنظام في الإسلام وأن يشارك الأبناء في الإعداد لتلك الفقرة، لأن الدين يحثنا على النظام في شتى تشريعاته. ومن صور النظام في الإسلام تتابع الليل والنهار: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ}.
نطرح على الأبناء أسئلة: ماذا لو اختل نظام الكون؟ ماذا لو لم تطلع الشمس؟ ماذا لو كل يوم الكون في حال غير الذي سبق؟ هل شعرت بالاضطراب؟ إذًا أليس من العقل أن نتأمل هذه المنظومة الكونية ونجعلها منهاجا لنا؟
ندع الأطفال يتأملون منظر تراص الصفوف في الصلاة.
يُحكى أن أحدهم لم يكن مسلمًا شاهد منظر الناس حول الكعبة فسألوه كم يستغرقون من الوقت للوقوف في صفوف؟ فأجاب ساعتين، فقالوا: إن الحرم أربعة أدوارٍ! فأجاب إذًا يحتاجون إلى اثنتى عشرة ساعة، فأجابوه بأن هؤلاء مختلفون في اللهجات والجنسيات، فأجاب: إذًا يستحيل اصطفافهم، فقال الإمام في الحرم استووا، فاستوت الصفوف في لمح البصر!
ديننا مُذهل إذا ما فهمنا أُسسه ومقاصد تشريعاته.
حتى في الجهاد يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (الصف: 4)، صدق الله وكذب من اتخذ الفوضى سبيلا! فإن كانت الفوضى تبرر لكانت في ساحة الجهاد، بينما تقول الآية إن الله يحب ذلك الاصطفاف.. فتأمل!
الصيام فيه نظام، والزكاة يحددها نظام، والحج كذلك مبني على أركان تليها أركان، فمن تأمل في منهج الإسلام ترك الفوضى وأحب ما يحبه الله ورسوله.