رغم اهتمام كثير من المجتمعات بمرحلة الطفولة وإعدادها الصغار نفسيا وصحيا عقليا، فإن الأمر لا يخلو من مخاطر تهدد الأطفال في مراحل التعليم المختلفة، وبالتالي فإن الحاجة ماسة إلى إيجاد حلول لحماية الطفل الذي هو ركيزة أساسية في بناء مجتمع إنساني قوى.
ويرى الدكتور يسري جاد الله خصاونة، في بحث له، أن تربية الصغير مسألة جوهرية لتقدم المجتمع وازدهاره، وأنّ المستقبل رهن بحال أطفاله؛ لأنهم المحرك الرئيس لجميع أوجه النشاط الإنساني، مؤكدًا ضرورة التعرف إلى طبيعة المخاطر التي يتعرض إليها الأطفال في مراحلهم التعليمية، وبيان السياسات التعليمية التي تعمل على حمايتهم من كل ألوان المخاطر المحيطة بهم، لتقديم الرعاية للأطفال بصورة سليمة.
مخاطر تهدد الأطفال في المراحل التعليمية
إنّ العناية بالصغار مسؤولية جماعية تقع على عاتق جميع المؤسسات التعليمية المحيطة بهم، وتحتم هذه العناية اكتشاف أي مخاطر تهدد الأطفال في المراحل التعليمية المختلفة، فالطفل يحتاج إلى بيئة توفر له الحماية والأمان، وتكون له السبيل الوحيد لتحريره من كل ألوان القهر والحرمان، حيث أكدت نتائج دراسات علمية أن إساءة معاملة الطفل ترفع من مخاطر إصابتهم بأمراض جسدية في المستقبل، بالإضافة إلى أمراض القلب والسكر، في حين أن تجنب سوء المعاملة في أثناء الطفولة، يساعد على خفض فرص الإصابة بأمراض عند الكبر.
وسوء المعاملة والمخاطر التي قد تلحق بالطفل تكون نتيجة الحروب والاستغلال والعنف والإيذاء، وفقر في رعاية الحياة الصحية، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية- الإيدز- والملاريا، والأمراض المعدية الأخرى، وما تمثله من مخاطر على الأطفال وحقوقهم.
يضاف إلى عدم إعطاء الرعاية الاجتماعية حقها، أو توفير تعليم ذي نوعية تلبي الاحتياجات الأساسية للطفل، حيث تعد جميعها عوامل في غاية الخطورة تأثيرًا على الطفل ومستقبلة، لهذا يجب أن تأخذ هذه المخاطر أولويات الاهتمام عند وضع الاستراتيجيات بمختلف أبعادها، لتعزيز القدرات وتقليل المخاطر التي يأتي على رأسها الحروب.
فالأطفال من أكثر الفئات الاجتماعية تضررًا جراء الحروب، لأن آثارها ستظهر لاحقًا بشكل ملموس في جيل كامل من الأطفال الذين سينجون منها، وما تخلفه من مشاكل نفسية نتيجة الرعب والقلق وفقد الأهل والمأوى.
وتُخلّف الحرب آثارًا نفسية على الطفل تتمثل في الاضطراب، والخوف والقلق والعنف والتوتر، والإحباط والتمركز حول الذات، إلى جانب الأعراض الصحية المرضية، وسوء التغذية، أو التي تظهر في الجانب الاجتماعي وتتمثل في اليتم، فقدان القيم الاجتماعية، والترابط الأسرى والتمرد على القيم السلطوية والطاعة، وآثارًا سلبية في الجانب السياسي فيصبح عند الأطفال اضطرابٌ في الرؤية السياسية، أما في الجانب التعليمي فيتدني مستواه، ويقل الاهتمام به بسبب إغلاق المدارس، واستخدامها كأماكن إيواء للأسر المشردة.
العنف من مخاطر تهدد الأطفال
وتُعد ظاهرة العنف من مخاطر تهدد الأطفال في المراحل التعليمية وأبرز التحديات التي تواجه المجتمع الإنساني، بسبب خصوصية هذه الظاهرة التي تتراوح بين حدود خارجة عن الإرادة المجتمعية، وحدود تدخلات الدولة وتشريعاتها، إذ يتخطى العنف ضد الأطفال حدود الثقافة، والطبقة، والتعليم، والدخل، والأصل العرقي، ويحدث في بيئات مختلفة كثيرة ينتشر فيها ضعف في الوازع الديني والقيم الأخلاقية، والوعي وتدني المستوى الثقافي، وعدم جدية العمل الاجتماعي والحقوقي، ما قد يترتب على ذلك من عواقب مدمرة لصحة الطفل وسلامته.
ولخطورة هذه التحدي الذي يُواجه المجتمعات الإنسانية عامة والطفل خاصة، ولضمان حق الطفل في الوقاية والحماية، سنورد أشكال العنف ضد الأطفال، والعوامل المؤثرة عليه، والإجراءات الوقائية للحد من هذه الظاهرة:
- العنف الأسريّ؛ سواء كان عنفًا جسديًا عن طريق الضرب، أو نفسيًا من خلال استخدام ألفاظ نابية للطفل، أو شتمه وتوبيخه، أو حبسه في مكان مغلق لساعات طويلة، أو تقرير مستقبله باختيار تعليم لا يتناسب مع قدراته وميوله، أو إجباره على العمل وترك التعليم، مما يؤدى ذلك بالطفل إلى الهروب من البيت، أو الانتحار، أو الاستغلال، أو تناول المخدرات أو تعاطي المشروبات الكحولية، فهنا أصبحت الأسرة طاردةً للطفل بدلًا من أن تحتضنه وتحميه وترعاه.
- العنف المدرسي؛ رغم أن دور المدرسة تربويٌ قبل أن يكون تعليميٌ، فإن الممارسات الخاطئة لا تزال تمارس فيها ضد الطفل، وعلى رأس هذه الممارسات الضرب المبرح والعقاب القاسي الذي لا يتناسب مع حجم المشكلة، ما قد يؤدي إلى التسبب في حدوث كسور، أو إصابة الطفل بعاهة دائمة، بالإضافة إلى مخاطبته بألفاظ نابية وتهديده باستمرار، وتأنيبه.. أضف إلى ذلك ممارسات المعلم بالتمييز بين التلاميذ على أساس أن هذا الطفل ينتمي إلى أسرة بسيطة، والآخر لأسرة غنية.
- العنف في المجتمع ومراكز الرعاية والمؤسسات الإصلاحية: حيث يعد المجتمع ومؤسساته مصدرًا للحماية والتضامن من أجل الطفل، ولكنه قد يكون أيضًا مكانًا للعنف، بما في ذلك عنف الأقران والعنف المرتبط بالعصابات والأسلحة المختلفة، وبوسائل الإعلام والتقنية الحديثة، والاتجار بالأطفال، وحالات الاختطاف، والاستغلال في البغاء، وفى المواد الإباحية، إضافة إلى الاعتداءات والتحرش الجنسي وأكثر من يعاني من ذلك الأطفال المهمشون كأطفال الشوارع.
أزمة التعليم
يُعد العلم والتعليم في حياة الأمم والمجتمعات المعاصرة القاعدة الصلبة، والأساس المتين الذي تقوم عليه نهضة الدول المتطورة، فنجد أن سبب القوة والتفوق والتميز الموجودة الآن في العالم، يعود إلى نوع التعليم وتطور أساليب البحث العلمي، حيث حققت دول كثيرة تقدمًا وعلى الأصعدة كافة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والمعلوماتية والتقنية، وأصبحت مرجعًا ونموذجًا لمعظم دول العالم، ولم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالعلم والإنفاق السخي على التعليم والاهتمام بالطلاب والمدارس.
والتعليم في العالم العربي يعاني من أزمة بسبب كثرة العوامل المتداخلة والكامنة وراء حدوثها، فهي أزمة مصيرية، وضمن مخاطر تهدد الأطفال في المراحل التعليمية المختلفة؛ لأنها تمس هوية الأمة وحاضرها ومستقبلها، بسبب السياسات التعليمية، والإدارة التربوية، وتدني مستوى المخرجات التعليمية، وانتشار البطالة، وضعف التمويل، وانتشار الأمية، بالإضافة إلى قصور كبيرة في إعداد وتأهيل المعلمين، وخلل في المناهج التي تعتمد على الجانب العملي.
لذلك فإن المهمة الأساسية المطلوبة لمواجهة أزمة التعليم، تتمثل في تغيير المناهج، وتعديل طرائق تدريسها، من أجل إصلاح العقول وإعادة صياغة وتشكيل شخصية الأطفال، على أن ينبثق هذا الإصلاح من حاجاتنا الحقيقية، لسد الفجوة بين الأنظمة التعليمية وبين ما تحتاجه عملية التنمية الاقتصادية، وتبني الخطط والاستراتيجيات العلمية والتقنية الشاملة والمتكاملة لتحقيق الأهداف المرسومة، والارتقاء بتأهيل المعلم وإعداده، وعمل امتحان الكفاءة الذي يتحدد بموجبه مدى كفاءته للعمل بهذه الوظيفة.
مخاطر صحية
يمثل النمو الصحي، أساس النمو في المراحل العمرية اللاحقة، فقوة بناء جسم الطفل تعتمد على توفير الرعاية، والخدمات الصحية التي ينالها منذ المراحل الأولى، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، أو الدولة، وتتمثل بداياتها في الجانب الوقائي منها، عند مرحلة اختيار الأبوين، وأثناء مرحلة الحمل وبعده، وفي مراحله العمرية المختلفة، عن طريق توفير احتياجات الطفل الأساسية، ليصبح قادرًا على النمو والتطور، تليها الرعاية العلاجية، الملائمة لحالته الصحية، أو الجسمية، أو العقلية، ليتمكن من التعلم.
ويندرج تحت مخاطر تهدد الأطفال في المراحل التعليمية، ظاهرة عدم الرعاية الصحية التي تتسبب في الغياب المدرسي، أو ضعف في القدرة على التركيز نتيجة المرض، جراء ما يُحيط به بيئة غير نظيفة بمائها وهوائها وأرضها، سواءً بداخل أسرته أو في مجتمعه.
وتعد الأخطار البيئية والتلوث عوامل إسهام رئيسية في وفيات الأطفال وأمراضهم وحالات عجزهم وهلاكهم، حيث يفتك الإسهال بنحو 1.6 مليون طفل سنويًّا، بسبب تلوث المياه ويموت قرابة مليون طفل سنويًّا بسبب تلوث الهواء داخل المساكن نتيجة العدوى التنفسية الحادة بالإضافة إلى الإصابات البدنية التي ترتبط بأخطار بيئية داخل الأسرة أو في المجتمع.
ويتطلب مواجهة هذه الأخطار شراكة حقيقية بين الأسرة والمجتمع والدولة، فالأسرة يجب أن ترشح وتطهر المياه المنزلية، وتحسن المواقد للحد من تلوث الهواء، والتخزين الجيد والاستخدام المأمون للمواد الكيماوية، وزيادة نسبة تعليم تدريب الأمهات حول المخاطر البيئية الموجودة في المنزل.
ويتوجب على الدولة وضع استراتيجيات وخطط وبرامج تنموية متكاملة، وإقامة شراكات بين جميع الجهات المعنية بالطفولة، للحد من الفقر وتحقيق الحماية الاجتماعية للفئات المحرومة والفقيرة، من خلال التحويلات النقدية والتمويل وإيجاد فرص عمل بإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومن ثم التوسع فيها، لتوفير مصادر للدخل تؤدي إلى التنمية الاجتماعية، وتوفير منحٍ دراسيةٍ للأطفال الفقراء والخدمات الأساسية لهم.
نصائح وطرق لحماية الأطفال من المخاطر
إن وجود مخاطر تهدد الأطفال يحتم على على التربويين ومقدمي الخدمات والبرامج التربوية إيجاد طرق لحماية النشء من هذه المخاطر، ومنها ما يلي:
- وضع القوانين والأنظمة والتعليمات استنادًا إلى التعاليم الدينية، والاتفاقيات، والمعاهدات والالتزامات الدولية، التي تحمي الطفل من جميع أنواع المخاطر التي يتعرض لها، وأن يتم تعديلها وتطويرها باستمرار، وأن يوضع حدٌ لثقافة الاستثناء في العقوبة.
- السعي للتقليل من نسبة الفقر الذي يواجهه الأهل بتنشئة الأبناء، وتضمين برامج الطفولة بالناحية الصحية، وتقديم الوجبات الغذائية المجانية لهم.
- حمايتهم من العنف والاستغلال بمختلف أشكاله، عن طريق التشبيك، وتعزيز الشراكات وتوسيع نطاقها، بين الجهات المعنية بالطفولة وبمشاركتهم بهدف التواصل وتبادل المعلومات والبيانات اللازمة وتطبيق أفضل الممارسات التي تحمي الطفل من المخاطر.
- التدقيق في السياسات، والتشريعات، والممارسات الإدارية، والميزانيات الوطنية وميزانيات المساعدة الإنمائية بمشاركة المجتمع المدني، ومساهمات القطاع الخاص المستندة إلى مبادئ المسؤولية الاجتماعية، من أجل دعم الأعمال العمومية المرتبطة بالطفل.
- تسخير العولمة وما يرتبط بها من إنجازات تكنولوجية لأغراض تحقيق النفع للأطفال في كل مكان. والاستدامة في تنفيذ وتحقيق البرامج والمشاريع الخاصة بالطفولة، مع ضرورة وجود استراتيجية واضحة تضمن ديمومة هذه المشاريع.
- العمل على ربط مناهج التعليم وخطط التدريس والتدريب بالحاجة الفعلية لسوق العمل، والتركيز على التدريب النوعي والمستمر والتطبيق العملي للشراكة ما بين قطاع العمل وقطاع التعليم.
- أن تشارك الأسر في تحديد هيكلية المناهج التعليمية، وتأمين التدريب ورفع وعي الوالدين لتأهيلهم في التعاون مع أبنائهم بشأن حرية اختيار نوع التعليم وبناء الثقة والتقارب وطرق التفاهم والتواصل معهم.
- تعزيز دور الإدارات المحلية في توفير التعليم غير النظامي وتطبيق سياسات وقائية للتصدي لعمالة الأطفال، ووضع القوانين والتشريعات التي تحد من ظاهرة العمالة، وخاصة الأعمال الخطرة وغير الأخلاقية، وتوفير التعليم البديل للأطفال المتسربين. والعمل على توثيق العلاقة بين المدارس والمجتمعات المحلية.
- تصميم المدارس وبيئاتها العمرانية وطرق السلامة فيها لتصبح بيئة صديقة للطفل، وأن يتم تشكيل لجان فرعية متخصصة لمتابعة برامج ومشاريع الطفولة، ومدى تنفيذها بصورتها الصحيحة.
المصادر والمراجع:
- الأطفال: تهديدات صحية جديدة https://bit.ly/34gKwSU.
- حماية الطفل هي مسؤولية الجميع https://bit.ly/3HaAHoh.
- طرق حماية الطفل من العنف https://bit.ly/3AL6Z76.