طالبت دراسة علمية بعنوان “نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.. دراسة منهجية”، جميع المسلمين في كل بقاع الأرض، بالذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، والدفاع عنه بالعمل بما جاء به من عند الله تعالى، ودراسة سيرته ونشر دعوته وتبليغها للناس، والتصدي لافتراءات المستهزئين والكفرة والمشركين ملحدي هذا العصر، أمثال أولئك الذين نشروا الرسومات المسيئة للرسول، والذين لا يُريدون للإسلام خيرًا.
وتدور محاور الدِّراسة، التي أعدّها الدكتور يوسف عبد الله مصطفى، حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من حيث إِنهُ مُرسل من عند الله إلى الناس كافة، اختاره الله تعالى من صفوة خلقه بشيرًا ونذيرًا وهاديًا للخير بإذنه وسراجًا منيرًا، وقد اشتمل البحث على ما واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم من معارضة المشركين له وعنادهم في قبول دعوة الإسلام وما لقيه صلى الله عليه وسلم منهم من الإساءة والأذى.
وأبرزت الدراسة الدور الكبير للمؤمنين في الصدر الأول من تاريخ الإسلام، حيث آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدّقوا برسالته ونصروه وآزرُوه وفدوه بالمال والنفس، ووقفوا معه في كل المواقف، فجاهد الرسول صلى الله عليه وسلم في الله حقّ جهاده، وأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، أمر عظيم وعلامة من علامات الإيمان والمحبة والإجلال، قال الله تعالى: (للفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر:8].
قال السعدي في تفسيره: ذكر الله تعالى، أنّ المهاجرين الذين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار والأوطان والأحباب والخلان والأموال، رغبة في الله ونصرة لدين الله، ومحبة لرسول الله، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة، بخلاف من ادعى الإيمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات.
ويضيف السعدي: والأنصَار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآوَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوّأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلًا ومرجعًا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.
والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلّم ونصرته، يقتضي الدفاع عن أصحابه، فقد أجمعت الأمة على أن جميع الصحابة – رضي الله عنهم- ثقات وعدول، وأنهم أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في بيان فضلهم.
ويقتضي – أيضًا- الدفاع عن زوجاته صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. والدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونشرها وحفظها وتنقيحها وحمايتها من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، وبيان أكاذيبهم.
ضرورة نصرة النبي
إنّ ما يدعو إلى نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبته وتوقيره واتباع سنته أمورٌ كثيرة، منها:
موافقة ذلك مراد الله – عز وجل- في محبته لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له، فقد أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم تعظيمًا له في قوله: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: 72]، وأورد القرطبي في تفسيره عن القاضي أبو بكر بن العربي: قال المفسرون بأجمعهم إن الله – سبحانه وتعالى- أقسم هاهنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفًا له، وإن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون.
كما أثنى الله – تبارك وتعالى- على نبيه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم) [القلم:4]، ويقول الطبري: “إنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه”.
ورَفع الله شأن نبيه، فقال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح:4]، قال السعدي: أي: أعلينا لك قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يُذكر الله إلا ذكِرَ معه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما في دخول الإسلام، وفي الأذان والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيّا عن أمته.
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من شروط إيمان العبد، بل الأمر كما قال ابن تيمية: (إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله).
لقد ميّز الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بشرف النسب، وكرم الحسب، وصفاء النشأة، وكمال الصفات والأخلاق والأفعال.
وقال الله – جل وعلا- عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليها ورحمته بها: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]، ونقل الطبري عن أبو جعفر قوله: يقول تعالى ذكره للعرب: (لقد جاءكم)، يعني أيها القوم، (رسول من أنفسكم)، أي تعرفونه، لا من غيركم، فتتّهموه على أنفسكم في النصيحة لكم، (عزيز عليه ما عنتم)، أي: عزيز عليه عَنتكم، وهو دخول المشقة عليهم والمكرُوه والأذى، (حريص عليكم)، يقول: حريص على هُدَى ضلالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق، (بالمؤمنين رءوف)، أي رفيق رحيم.
وجوب محبة النبي
إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، قال تعالى: (قلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
وذكر الطبري في تفسيره: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قلْ) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وكانت (أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا)، يقول: اكتسبتموها (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا)، بفراقكم بلدكم (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا)، فسَكنتموها (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ)، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك ومن جهاد في سبيله، يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (فَتَرَبَّصُوا)، يقول: فانتظروا (حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، حتى يأتي الله بفتح مكة (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، يقول: والله لا يوفق للخير الخارجين عن طاعته وفي معصيته.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ…) [الأحزاب:6]، يقول سيد قطب في الظلال: الولاية العامة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين جميعا، ويقدم هذه الولاية على ولايتهم لأنفسهم كما ينشئ صلة الأمومة الشعورية بين أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- وجميع المؤمنين.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”، قال ابن حجر: قال ابن حجر في فتح الباري: “ومن علامة الحب المذكور أن يُعرَض على المرء أن لو خُيِّر بين فقدِ غرضٍ من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شيء من أغراضه، فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا، وليس ذلك محصورًا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته، والذّب عن شريعته، وقمع مخالفيها، ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر”. قال ابن حجر: “أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب”.
ونقل ابن حجر العسقلاني عن بعض العلماء قوله: محبة الله على قسمين: فرض، وندب، فالفرض: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يقدره، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه. والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها: فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع في المحظور.
والقسم الثاني: ألا يتلقى شيئًا من المأمور والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته، ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجًا مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع، وإذا استقرت تلك المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر للتعظيم ودلائل عليه، تظهر على اللسان والجوارح.
الصلاة على النبي
إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، تتطلب الصلاة عليه بما هو أهله، امتثالا لثناء الله – عز وجل- عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
ذكر ابن كثير في تفسيره: قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء، وقال ابن عباس: يصلون: يبركُون. هكذا علقه البخاري عنهما.
وقال أبو عيسى الترمذي: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار، ثم أورد ابن أبي حاتم: أن صلاته تبارك وتعالى: سبوح قدوس، سبقت رحمتي غضبي.
والمقصود من هذه الآية وَفق ابن كثير، أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
أمّا البخاري فقال عند تفسير هذه الآية، عن كعب بن عجرة قال: قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال: “قولوا: اللهم، صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد”.
وعن نبيهة بن وهب، أن كعب الأحبار دخل على عائشة، فذكروا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال كعب: ما من يوم يطلع إلا نزل سبعون ألفًا من الملائكة حتى يحفوا بقبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يضربون بأجنحتهم، ويصلون على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفونه، (رواه الدارمي).
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في عبادات كثيرة، مثل: التشهد والخطبة، وصلاة الجنازة، وبعد الأذان، وعند الدعاء، وغيرها من المواطن، فقد اتفق علماء أهل السنة على استحباب الصلاة على النبي، فأورد يوسف النبهاني في كتابه “أفضل الصلوات على سيد السادات”، عن ابن عطية: “الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه”.
بل لا بُد من الإكثار من ذكر النبي والصلاة عليه، والتشوّق إلى رؤيته، والتأدب عند سماع حديثه، وأن لا يُذكر اسمه مجردًا، إذ لم يخاطبه الله تعالى قط باسمه مجردًا، كما يجب الأدب في مسجده، وكذا عند قبره، وترك اللغط ورفع الصوت، وحفظ حرمة بلده المدينة المنورة فإنها مهاجرُه، ودار نصرته، وبلد أنصاره، ومحل إقامة دينه، ومدفَنه، وفيها مسجد خَير المساجد بعد المسجد الحرام، وهذا أمر واجب في حق من سكن المدينة أو دخل فيها.
ومن الواجب احترام حديثه، والتأدب عند سماعه، والوقار عند دراسته، وقد كان لسَلف الأمة وعلمائها عمومًا والمحدثين خصوصًا منهج رصين وإسهام قوي في إجلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقير مجلس الحديث، والتحفُز لاستباق العمل به تعظيمًا له.
كيف نصر الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟
وضرب الصحابة – رضوان الله عليهم- أروع الأمثلة في نصرة النبي – صلّى الله عليه وسلم-، وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو بكر الصديق – رضي الله عنه-، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لمّا أُسْري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدّث الناس بذلك، فارتدّ ناس ممّن آمن، وسعوا إِلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنّه أُسْريَ به الليلة إِلى بيت المقدس! قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدِّقه! قال: نعم، إِني لأصدِّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي الصدِّيق) رواه الحاكم وصححه الألباني.
وذكر محمد بن عبد الوهاب في كتابه مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، أن سعد بن معاذ – رضي الله عنه – في غزوة بدر، عندما شاور رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه في خوض القتال مع قريش، فما كان منه – رضي الله عنه- إلّا أنّه أكّد نصرة الأنصار ووقوفهم وقفة رجلٍ واحدٍ إلى جانبه – صلّى الله عليه وسلّم- داخل ديارهم وخارجها على حدّ سواء، وطلب منه أن يأخذ ويدع ما يشاء من أموالهم، وأشار إلى أنّهم مستعدّون لخوض البحر معه ولِأجله.
ولا يقل عن هذه المواقف، ما أورده البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أنّه قال: “لَمَّا كانَ يَومَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَبُو طَلْحَةَ بيْنَ يَدَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُجَوِّبٌ عليه بحَجَفَةٍ له، وكانَ أبو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَومَئذٍ قَوْسَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، وكانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ معهُ بجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ، فيَقولُ: انْثُرْهَا لأبِي طَلْحَةَ قالَ: ويُشْرِفُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْظُرُ إلى القَوْمِ، فيَقولُ أبو طَلْحَةَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، لا تُشْرِفْ، يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِن سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ).
كيف ننصر الرسول؟
وأمام المسلمين في كل زمان ومكان وسائل عديدة تُمكنهم من تحقيق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، نذكر منها ما يلي:
- التفكير في دلائل نبوته القاطعة، وأنه رسول رب العالمين.
- الاطلاع على أدلة نبوته من القرآن والسنة والإجماع.
- تصديقه في كل ما أخبر به، وأوَّل ذلك أنه رسول الله ومبعوثه إلى الجن والأنس كافة، لتبليغ وحيه تعالى بالقرآن والسنة المتضمنين لدين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى دينًا سواه.
- وجوب طاعته واتباعه، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم.
- استشعار محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب بتذكر كريم صفته الخَلقية والخُلقية.
- قراءة شمائله وسجاياه الشريفة، وأنه قد اجتمع فيه الكمال البشري في صورته وأخلاقه.
- استحضار عظيم فضله وإحسانه صلى الله عليه وسلم علينا، فهو الذي بلّغنا الإسلام على أحسن وأتم وأكمل وجه.
- تربية الأبناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله.
- الاعتراف بفضله صلى الله عليه وسلم في كل خير دنيوي وأخْروي نُوفّق إليه ونتنعّم به، بعد فضل الله تعالى ومنته، فهو سبيلنا وهادينا إليه.
- استحضار أنه صلى الله عليه وسلم، رحيم على أمته، لقول الله – تبارك وتعالى – {النَّبيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفُسهِمْ} {الأحزاب : 6}.
- التعرف إلى الآيات والأحاديث الدالة على عظيم منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه، ورفع قدره عند خالقه، ومحبة الله عز وجل له.
- العمل على دعوة الناس جميعًا وهدايتهم إلى هذا الدين الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم.
- بيان صفات النبي الخَلقية والخُلقية للناس جميعًا، لغرسِ محبته في قلوبهم.
- الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه صلى الله عليه وسلم، بل تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين”.
- الالتزام بأمر الله تعالى لنا بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم ومع سنته لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات : 2].
- الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص ينسب إليه، كما قال تعالى: {لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ …}.
- استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرته، والذّب عنه صلى الله عليه وسلم.
- استحضار الثواب الجزيل في الآخرة لمن حقق محبة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح، بأن يكون رفيق المصطفى عليه الصلاة والسلام في الجنة.
- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، مع الوقوف على حوادثها موقف المستفيد من حكمها وعبرها، والاستفادة من الفوائد المستخلصة من كل حادث منها.
- تعلُّم سنته صلى الله عليه وسلم، بقراءة ما صححه أهل العلم من الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم، مع محاولة فهم تلك الأحاديث، واستحضار ما تضمنته من الحكم الجليلة والأخلاق الرفيعة والتعبد الكامل لله تعالى.
- اتباع سنته صلى الله عليه وسلم كلها، مع تقديم الأوجب على غيره.
- الحرص على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في المستحبات، ولو أن نفعل ذلك المستحب مرة واحدة في عمرنا، حرصًا على الاقتداء به في كل شيء.
- العمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته، – حينما قال يومَ غَديرِ خُمٍّ: إنِّي تارِكٌ فيكم ثَقَلينِ أوَّلُهما كتابُ اللهِ، فيه الهدى والنُّورُ؛ فخُذوا بكتابِ اللهِ، واستَمسِكوا به، فحَثَّ على كتابِ اللهِ، ثمَّ قال: أُذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، ثلاثًا.
- محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم واعتقاد فضلهم على من جاء بعدهم في العلم والعمل والمكانة عند الله تعالى.
- الحزن لاختفاء بعض سنته صلى الله عليه وسلم بين بعض الناس.
- بُغض أي منتقد للنبي صلى الله عليه وسلم أو سنته.
- محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم من أزواجه وذريته، والتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم لقرابتهم من النبي ولإسْلامهم.
- محبة العلماء وتقديرهم، لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، ولهُم حق المحبة والإجلال، وهو من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.
- الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته صلى الله عليه وسلم.
- الفرح بظهور سنته صلى الله عليه وسلم بين الناس.
تربية الأبناء على حب النبي
إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وغرس حبه في القلوب يبدأ منذ الطفولة؛ ويمكن ذلك من خلال العديد من الوسائل منها:
- توفير البيئة الصالحة التي تغرس محبة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الأطفال.
- قراءة القرآن وتدبره وتربية النشء عليه.
- دراسة السنة النبوية: فمن اهتم بالسنة وطالع كتبها، وتزود من علومها وفنونها يحب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كلامه وأفعاله وسيرته وأقواله وصفاته وأخلاقه، وهي داعية لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحري بالمؤسسات التربوية من رياض أطفال ومدارس أن تهتم بتدريس سنته، وتزويد الأطفال بما يناسبهم منها.
- الأنشطة المدرسية: فالأنشطة أفضل أساليب تنمية محبة النبي صلى الله عليه وسلم لدى الأطفال، ويعود السبب في ذلك إلى ميول الأطفال إلى هذه الأنشطة وتفاعلهم معها، وتشوقهم إليها؛ لما فيها من إشاعة روح المرح وإدخال السرور في نفوس الأطفال، فالاهتمام بالأنشطة مهم للغاية، وذلك تماشيًا مع ما تنادي به التربية الحديثة، فهي مجال واسع لتنمية كثير من القيم التربوية.
نتائج الدراسة
وخلصت الدراسة حول نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى عدة نتائج جاءت على النحو التالي:
- إن الله تعالى تولّى الدفاع عن رسوله وحماه وكفاه شر المتربصين والكفرة والمشركين.
- من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هؤلاء هم الصحابة الذين آزروا النبي صلى الله عليه وسلم ووقروه ودافعوا عنه وعن الدين الذي جاء به.
- امتاز الرسول صلى الله عليه وسلم بشخصية جذابة ومؤثرة واتصف بالصفات القيمة والمثل الرفيعة، وتحلى بالصبر والحلم والجد والمرونة والأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة مع جميع الخلق الأمر وهو ما ساعد في نشر دعوة الإسلام وقبولها عند عامة الناس.
- إن السيرة النبوية حافلة بجلائل الأعمال، وإن المسلمين في حاجة إلى دراستها ليأخذوا منها الدروس والعبر.
- إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي اتباع منهجه والعمل بسنته.
توصيات
ويمكن الخروج من دراسة نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، بعدة توصيات مهمة، وهي كالتالي:
- وضع السيرة النبوية مادة أساسية في مناهج التدريس بجميع دور العلم في بلاد المسلمين، ليطلع المسلمون على سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويتعلمون من هديه.
- إنشاء قنوات فضائية عالمية تنشر فيها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته وشمائله.
- وإنشاء مواقع إسلامية على الإنترنت تنافس المواقع العالمية حتى يتمكن المسلمون من أخذ ما يحتاجون إليه من المواد البحثية.
- عمل دورات ومؤتمرات إقليمية ودولية في دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومناقبه.
- نشر كُتب في اللغات الأجنبية ذات محتوى يدافع عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن رسالة الإسلام.
- على المسلمين الاقتداء بالصحابة في جهادهم وحمايتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرتهم لدين الإسلام.
- اليقظة والحذر تجاه أولئك الذين يسعون للنيل من الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، والرد عليهم بما يسكتهم ويبطل دعواهم.