أبنائي منهم مَن تخرج منذ فترة ومنهم مَن أنهى تعليمه الجامعي للتو، لكنهم لا يتحمّلون مسؤولية أنفسهم، وبعضهم قد تقدم لفتاة ملقيًا بعبء الجهاز والشقة على والده، إضافة إلى عبء مصاريفه الشخصية! فكيف نجعلهم يدركون أنه يجب عليهم تحمل مسؤولية أنفسهم وبيوتهم المستقبلية، خصوصًا أنه ما زال لدينا أطفال صغار بحاجة إلى الإنفاق والرعاية؟
أختنا السائلة نسأل الله أن يعينكم وأن يسدد خطاكم حتى تكملوا رسالتكم مع جميع الأبناء على خير، لكننا نرى أنه من الأمانة ألا تزوجوا الابن الكريم إلا بعد أن يُختبر ويتعلم جيدًا تحمل المسؤولية، وقبل أن يكون من أجل تخفيف العبء عنكم، فهو لكونه مقبلًا على مرحلة جديدة في الحياة سيصبح فيها هو المسؤول. إذ كيف له ألا يكون قيما على نفسه- يعتمد عليكم في مصروفه الشخصي- وهو مطالب بالإنفاق على بيت وزوجة في المستقبل القريب؟!
وبالرغم من قناعتنا أنّ تحمل المسؤولية صفة تأخذ الكثير من الوقت لتعلمها، وهي هدف يجب الالتفات إليه في تربية الأبناء منذ الصغر، حيث يكون لكل فرد في الأسرة مسؤولياته بدءًا من ترتيب سريره وصولًا إلى المشاركة في إدارة شؤون البيت، ومن هذا أن يتعلم الأبناء الاعتماد على النفس، والسّعي للكسب، والتدريب على إنفاق المال من خلال المصروف الشخصي، فلا يتفاجأون بمسؤوليات مع الكبر لم يعتادوا تحملها، وأن ينشأوا على سِيَر القدوات من حولهم أو من السيَر الذين تحملوا المسؤولية من الصغر.
ولعل أن يتم تدارك هذا مع باقي الأبناء، لأنّ الآباء أحيانًا يختارون فعل المهام بأنفسهم اتقاءً لمعاناة التدريب أو لأداء المهام بشكل غير مُرضٍ من الأبناء، ما ينتج عنه أبناءً يُعانون من السلبية ولا يعرفون معنى المشاركة والمسؤولية.
إلا أننا ومع المرحلة السّنية التي وَصَل إليها الابن نرى أنّه أوان المصَارحة التي تختصر الكثير.
ضعي معه ومع الوالد خُطّة لمعرفة الالتزامات المطلوبة منه والمبلغ الذي عليه تجهيزه، ثم قوما بتوجيه سؤال مباشر له: ماذا تملك من هذا المبلغ الآن؟ وكيف ستدبر الباقي منه؟ هذا السؤال يجعلنا نحن نتساءل، هل يعمل الابن أم أنه سيتزوج دون أن يكون له دخل ثابت معتمدًا عليكما في الإنفاق على بيته بعد ذلك؟ لأنه في حال إذا كان الابن يعمل لكن دخله محدود، أو أنه يبذل ما عليه من جهد وسعي لكن لا يمكنّه أن يَفِي بمتطلبات الزواج، وبخاصة في زمان كزماننا هذا، فإنه من الجيد أن يساعده الأهل كي يعف نفسه- ما داموا قادرين على ذلك-، ولو بتحديد مبلغ معين أو حتى على سبيل الدّين الذي يردّه عندما تتيسّر أموره.
لكن إن لم يكن جادًّا في السعي ويعتمد كليّة على أبويه فمن المهم أن يصل للابن بشكل واضح أنكما قد كبّرتم وربيتم وعلّمتم، وأنه آن الآوان أن يشق هو طريقه، وهذا لا يعني تخليكما عنه لكنكما ستكونان في ظهره تكملان ما عجز عن سداده، وليس في هذا تعارض مع حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” (البخاري)، لأنّ المسؤولية هذه تعني أن نقوِّم فيهم كل ما يعينهم على أن يحيوا حياة مستقيمة، ويتم هذا في جانب منه بتفويض المسؤوليات للأبناء وليس القيام بالأمور نيابة عنهم. ومن هنا يجب أن يصارح أنّ السعي بالأساس يقع على عاتقه هو -أعانه الله ورزق أبناءنا الهمة والعفة-.
وعليكما أن تذكّراه بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف” (الترمذي). فليقبل على مسؤولياته واثقًا في الله المعين، وليعلم أن النكاح من الأمور الجالبة للرزق كما قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)) (سورة النور). والقصص في إعانة الله- عز وجل- للشباب المقبل على الزواج كثيرة طالما جددوا النية وأخلصوا العزم.
وكلما كانت رسالتكما للابن الغالي عن مسؤولياته المالية في هذه المرحلة واضحة، اختصر ذلك الطريق عليكما في توجيه بقية إخوته، فإرساء القاعدة يكون معها بعض المشقة مع الأبناء الكبار لكنها تُهيئ الطريق للبقية. وليبدأ الوالد الكريم في سحب نفسه من مسؤوليات الكبار تدريجيًّا حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي.