أنا يتيمة متزوجة ولدي طفلة، حدثت مشكلة بيني وبين زوجي وذهبنا بالفعل لعمل إجراءات الطلاق ثم أوقفناها، تدخل أعمامي ويريدونني أن أسمع كلامهم بألا أرجع لزوجي فهم الباقون لي، زوجي يضغط عليّ بأن أعود، مع العلم أني مصابة بالمس والجن العاشق، وأسمع القرآن كثيرًا لكنني ما شفيت، وزوجي يتهمني بأني أغضب كثيرًا نتيجة الأدوية التي آخذها.
انفصلنا منذ 5 أشهر، وحين أفكر بالعودة لزوجي أخاف أن تتكرر نفس طريقته في المشكلات، كما أنني خائفة من أن أخسر أهلي الذين هم سندوا والباقون لي كما يقولون.. أريد نصيحتكم، ما العمل؟!
ابنتنا الكريمة: أهلا بك ضيفة عزيزة على صفحتنا، رحم الله أباك، وبارك لك في ابنتك، وردك إلى بيت زوجك ردًا جميلًا،
من اللافت للانتباه أول كلمة ابتدأت بها رسالتك، وصفك لنفسك بأنك يتيمة، فقد جانب وصفك هذا حقيقة معروفة، وهي أن اليتيم هو من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم “لا يُتم بعد احتلام”، والمقصود باليتيم اليتم أنها صفة نطلقها على الصغير، وأنتِ الآن كبيرة وصار لك بيت وابنه، وتعلقك بهذا الوصف نرى فيه سببًا من أسباب العطلة في حياتك الزوجية.
احتفاظك بهذا الوصف يعني أنك تحتاجين العطف، وتبحثين عن السند، بل قد تترجمين سوء تصرف زوجك معك من قبيل أنك يتيمة لا ظهر لك يحميك، فتغضبين من زوجك لاستضعافك، بينما الحياة بطبيعتها لا تخلو من كدر، خصوصًا السنين الأولى للزواج؛ حتى يتطبع كل طرف بطباع الطرف الآخر ويفهمه أكثر.
فأول ما يجب أن تتخلي عنه في رحلة بحثك عن حل مشكلتك، أن تتوقفي عن نعت نفسك باليتيمة، فقد صرت أما راشدة!
وبشأن اليُتم، فلا يمكننا أن نصنفه إلى سيئ أو حسن؛ فكثير ممن غيروا مجرى التاريخ كانوا يتامى، وعلى رأسهم نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، ويمكنك البحث عن اليتامى العظماء على الإنترنت، وكذلك من النساء. المقصد، أن هذا أمر يقدره الله على عباده وهو الأعلم بالخير لهم وبما ينفعهم.
لا حرمك الله من حنانِ زوجٍ يعوضك الله به يتم الطفولة، ولعل من حسنات ذكرك لمسألة اليتم، أن تكوني أشد حرصًا على رباط الأسرة، وأكثر إصرارًا على ملء جنبات المنزل بالبهجة، ضعي حسنات زوجك كأب لابنتكما نصب عينيك وأنت تقررين، فكثيرات لا يرتضين بصفات في أزواجهن ويتحملن كونه أبًا صالحًا، ينفق على البيت بشكل جيد، .فإن كان زوجك كذلك، فثمني هذه النقطة وأنت تأخذين القرار.
أما عن موقف أعمامك مشكورين، فيبدو أن حميتهم تجاهك وشعورهم بالمسئولية نحوك، لم ينته بزواجك، جزاهم الله عنكِ خيرًا، لكن طريقتهم في الحل لنا عليها مأخذ، فإذا كانوا هم من وافقوا على زواجك، فلا بد أنهم استخاروا واستشاروا قبل إتمام الزواج، ولا بد بسؤالهم عن زوجك أنهم رأوا فيه ما يصلح لأن يكون زوجًا لك، فالمسارعة إلى الطلاق ليست في مصلحة أحد إلا بعد الاستخارة والاستشارة واستحالة الحياة بينكما، أما أن يضعك أعمامك أمام أن تختاري زوجكِ أو أهلكِ فهذا تصرف في غير محله! حجتهم أنهم هم من يبقون لك، فنذكرهم ونذكركِ، بأن الله هو الباقي سبحانه جل وعلا، كان الأجدر بهم السعي في إصلاح ما فسد بينك وبين زوجك، وليس تخييرك بينهم وبين الزوج!
الإصلاح ما أصعبه، ولكن ما أجمل نتائجه، حينما يحدث الوعي والنضج والتقييم الصادق عن قرب لتلك التجربة تحلو العشرة ونتحمل الصعاب سويًا؛ لأنها هكذا الحياة لا تخلو من كدر، ننصحك بأن تحافظي على علاقتك بأعمامك طيبة، وجودهم قد يردع الزوج إذا ما ظن أنكِ بلا سند فيفعل بك ما يحلو له لا قدر الله!
كما نوصيك إن عدت لزوجك، أن تحفظي سر بيتك، ولا تقوليه لأهلك، فمن الطبيعي أن يتألموا لألمك، ويلجأوا لاختيارات ليست محببة لك، اجعلي علاقتك معهم ودًا ووصلًا فقط؛ فالأهل يغضبون لبناتهم، هذا أمر فطري، ثم ما إذا انصلح الأمر بين الزوجين، وكثيرًا ما ينصلح بحول الله وقوته، فيعلق في أذهان الأهل الخصومة وأسباب الغضب ولا ينسون للزوج فعله، وقد لا يلحظون أن المشكلة بينكما قد انتهت!
يتناسى الأهل حينها أن أي خلاف بين زوجين يتحمل كلا الطرفين نسبة من الخطأ في أكثر الأحوال، فأجدر بمن يتدخل للحل أن يشير إلى ذلك إذا ما أراد الإصلاح، لا أن يجعل طرفًا شيطانًا والطرف الآخر بلا خطيئة، وزن الأمور بميزان العدل مهم للغاية وقليل من يفعل ذلك مع الأسف.
ابنتنا الكريمة:
نرى في طيات رسالتك حداثة سنك، وقلة خبرتك في الحياة، تحتاجين أن تصقلي خبراتك بمتابعة الدورات التي تؤهل للزواج سواء بالحضور المباشر أو عبر الإنترنت، ومطالعة الكتب التي توضح طبيعة الرجل وطبيعة المرأة؛ حتى تفهمي عن نفسك أكثر وتفهمي زوجك، فنحيا على بصيرة، نرضي الله في أزواجنا وندعوه أن يرضينا ويقر أعيننا بهم.
لعلك في شهور الفراق هذه عددت حسنات الزوج، وأدركت عيوبه التي تتحمليها، وعيوبه التي لا تتحمليها، فاجعلي الأخيرة محل نقاش قبل قرار العودة حتى يؤتي هذا الفراق أكله، واحمدي صفاته الحسنة قبل ذكر السيئة منها، حتى يتهيأ للاستماع لك، فالنفس لا تتحمل النقد الصريح هكذا، كما نوصيك بالتركيز على حالك وتذكر محاسنك كزوجة فتحمدين الله على ما وفقك فيه، وتسألينه أن يعينك على ما نقص فكلنا أصحاب عيوب!
وأخيرًا نوصيك بالاجتهاد في الأذكار وتلاوة البقرة والفاتحة والمعوذات بنية الاستشفاء، وسؤال أهل الاختصاص من الشيوخ الأفاضل عن علاج المس والجن العاشق، فدهن مخارج الجسد بالمسك الأسود- عدا العينين حتى لا تتأذى- مما يوصي به في علاج تلك الأمور، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، فلا تتأخري في علاج هذه المسألة حتى لا تتسبب في تفاقم المشكلات بينك وبين زوجك؛ فالاستمرار على تلاوة القرآن والتحصين بالأذكار والدهن، علاج مجرب، لا تفرطي في متابعته حتى يرفع الله عنك هذا البلاء، وترزقين من بعدها مودة حقيقية وأنسًا وسكنًا في حياتك الزوجية كما أراد الله، وجعل الزواج آية من آياته، نشوهها أحيانًا بإلف النعمة وعدم شكرها، وبجهلنا أحيانًا أخرى.
زواج بدأناه باستخارة الله، وأتممناه مرضاة لله، وتعلمنا ممن سبقنا في محراب الزواج أن البيوت تبنى بالصبر، وأن التغافل من شيم الكرام، وأن للدعاء سحر في تأليف القلوب، وأن الصدقات تفرج الكروبات، معادلة يسيرة لزواج ناجح لو فقهناها وتأملناها.
أقر الله عينك بما يسعدك ويرضيك ابنتنا الكريمة.