تُعد الرحلة العائلية من وسائل الترويح عن النفس، والتخفف من الأعباء التي تفرضها الحياة على الإنسان، وهي من أهم مستلزمات الحياة الهانئة، وتقتضي أن يقضي شخص ما أو مجموعة أشخاص معًا فترة زمنية معينة في مكان يجرى تحديده مسبقًا.
وترى الباحثة حنان عطية في بحث حصري لـ(لمنتدى الإسلامي العالمي للتربية) أن الترفيه ليس هو الهدف الوحيد من وراء الرحلات، فهي نشاط واسع جدًّا، وضروريّ لكل شخص، وقد اشتهرت العديد من الشخصيات العربية، والإسلامية، والعالمية عبر التاريخ بهذا النشاط، حتى صار يطلق عليها لقب الرحّالة من كثرة تجوالها في أصقاع الأرض المختلفة.
الرحلة العائلية في الإسلام
ينظر الإسلام إلى الرحلة العائلية على أنها نوع من الترويح المطلوب، ما دامت في الإطار الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه- أي الترويح- عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية، فالإسلام دين الفطرة، ولا يُتصور أن يتصادم مع الفطرة، أو الغرائز البشرية في حالتها السوية.
ومن أدلة جواز الترويح، ما روي في صحيح مسلم من حديث حنظلة- رضي الله عنه- وفيه أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ -وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وروي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني فقال: “هذه بتلك” (رواه أبو داود).
أهمية الرحلة العائلية
وتساعد الرحلة العائلية على زيادة وشائج المحبّة، وتمتين العلاقات الإنسانيّة، وقد تكون وسيلة مهمة من أجل إقامة العديد من العلاقات الجديدة، ومن أبرز مهامها:
- التعرف إلى بقاع جديدة من الأرض.
- ممارسة أنشطة لم يسبق أن مارسها الإنسان من قبل.
- التعرف إلى الثقافات الإنسانية الأخرى.
- ممارسة الشعائر الدينية، من خلال القيام برحلات دينية إلى الأراضي المقدسة، والتي تختلف باختلاف المعتقدات الدينيّة، حيث يعمل هذا النوع من الرحلات على تنمية النواحي الروحية لدى الإنسان، وإمداده بطاقة عجيبة لا نظير لها.
- زيادة ثقة الإنسان بنفسه، وتنمية مهاراته، ومواهبه المختلفة، وتبرز هذه الأهميّة بشكل رئيسيّ في بعض أنواع الرحلات؛ كالرحلات الفرديّة، والمدرسيّة.
- والرحلة بالنسبة للطفل تحوي الكثير من الأبعاد التربوية فهي تصل الطفل بالمجتمع وتعلمه كثيرًا من أنماط السلوك المقبول وتزيد من شعوره بالانتماء لوطنه.
- تزيد من الفوائد النفسية والمعرفية والمهارية التي يكتسبها الطفل.
فوائد تربوية ونفسية للرحلات
وتعد الرحلة العائلية أحد أنواع الرحلات المهمة في تربية الأبناء لما تلعبه من دور في النمو النفسي والعقلي والاجتماعي والتربوي لديهم؛ حيث توسع من مداركهم نتيجة انتقالهم لأجواء أوسع من البيت وما هو مألوف في حياتهم الروتينية، كما أنها تلعب دورًا في الراحة النفسية، وتهدئة النفس، ونقاء الذهن، وتفتح القريحة، إضافة إلى فوائد أخرى حيث:
- تقوّي الصلة بين أفراد العائلة.
- تزيد الترابط بين الأم والأب والأبناء، وتزيد المحبة والتآلف بينهم.
- تدفع الأبناء للتعليم الذاتي، واكتشاف الكثير من الأمور، التي يشاهدونها ويستنتجونها في الرحلة، من خلال الأماكن التي يزورونها، وتوسع مداركهم، وتقوّي ثقتهم بنفسهم.
- تُشكل فرصةً رائعة للابتعاد عن أجواء البيت التي قد تكون أحيانًا مشحونة بالتوتر، وكذلك فرصة للابتعاد عن جميع أنواع الإلكترونيات، ووسائل التواصل الاجتماعي.
- بث روح المسؤولية في نفوس الأبناء، من خلال إيكال المهام لهم، والمطالبة بتنفيذها أثناء الرحلة.
- بث روح الفرح، وإدخال السرور والغبطة في قلوب أبناء العائلة، وزيادة الحب فيما بينهم.
- كسر الروتين، وكسر حدّة الملل، والعودة بروح مليئة بالعزم والإرادة، وبث روح النشاط، والإقبال على العمل والدراسة.
- تعزيز الثقة عند الأبناء، وتنمية روح المسؤولية لديهم، واكتساب الكثير من المهارات.
- رؤية أماكن جديدة، والاحتكاك بأشخاص كثيرين.
- تنمية روح التعاون، وحبّ العمل، والإيثار بين أفراد العائلة الواحدة، وتحفيزهم على مساندة بعضهم البعض.
- اكتشاف صفات جديدة في أبناء العائلة الواحدة، وتقويم الصفات غير المحبّبة منها، وتنمية وتعزيز الصفات الحميدة، والتشجيع عليها.
والرحلات من الأمور المحببة للنفس لما تحتويه من المتعة والفائدة والإثارة؛ لذا نجد أن الجميع يحرصون على القيام برحلات بين الحين والآخر؛ وذلك لتجديد النشاط والحيوية.
وتختلف الرحلات ما بين رحلات طويلة وقصيرة؛ ففي أيام الدراسة نجد أن الرحلات تتميز بقصر المدة وقرب المكان، بينما في الإجازات الطويلة نجد أنها تتميز بطول المدة وبعد المكان.
وفي الآونة الأخيرة ازداد اهتمام الناس بالرّحلات العائليّة، حيث أصبحت من البرامج الأساسية للعائلة في الإجازة، وبخاصة في الإجازة الصيفية.
ولكن الملاحظ للكثير من الرحلات العائلية يجد أنها يغلب عليها الطابع الترفيهي البحت والبعد عن البرامج الثقافية الجادة والمفيدة.
نصائح قبل السفر للترفيه
وحتى لا تتحول الرحلة العائلية إلى تسلية وترفيه فقط، لا بُد من مراعاة ما يلي:
- استحضار النية الصالحة عند السفر.
- التخطيط الجيد للرحلة.
- وضع هدف للرحلة.
- إعداد برنامج كامل للرحلة مع المرونة في ذلك.
- مشاركة الأبناء في إعداد البرنامج لتعويدهم على التخطيط ولزيادة تفاعلهم معه.
- الحرص على أداء الصلاة في وقتها مع الجماعة.
- الاستعداد الجيد للرحلة.
- توزيع المهام بين المشاركين كل حسب ميوله.
عند إعداد البرنامج لا بد من مراعاة التنوع في البرامج؛ وذلك بتخصيص أوقات للبرامج الجدية، وأوقات لبرامج التسلية المباحة وأوقات للتنزه؛ كي لا يطغى على الرحلة الجانب الترفيهي فقط.
لا بُد لمن عزم على السفر أن يستعد له من جميع النواحي سواء المادية أو الشرعية أو الثقافية أو الرياضية أو الأدوات والتجهيزات الأساسية كالسيارة ومستلزمات الطبخ وغيرها.
وتختلف التجهيزات الأساسية من رحلة لأخرى؛ فالرحلة الطويلة تختلف عن الرحلة القصيرة من حيث التجهيزات، بينما الرحلة البرية تختلف عن الرحلة البحرية وكذا الرحلة الداخلية تختلف عن الرحلة الخارجية، فلكل رحلة أدواتها الخاصة التي تميزها عن غيرها.
الاستعداد قبل السفر للترفيه
ولكن هناك بعض الأشياء العامة التي ينبغي الاستعداد لها قبل الرحلة العائلية وتشترك فيها معظم الرحلات منها:
- الاستعداد المادي: لا بُد من توفير مبلغ مادي يكون متناسبا مع الرحلة مع وضع مبلغ زائد وذلك للحالات الطارئة.
- مستلزمات الرحلة: عند تحديد نوعية الرحلة ينبغي تجهيز المستلزمات الأساسية الضرورية لها؛ وذلك لكي لا تصرف الميزانية على بعض الأمور التي قد تكون موجودة لدى الشخص، فأحيانًا تجد بعض الناس قد يشتري في كل رحلة أغراضا جديدة قد تكون موجودة لديه سابقا، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بميزانية الرحلة بدون فائدة.
- الاستعداد الشرعي: من الأمور المهمة التي ينبغي الاعتناء بها عند الاستعداد للرحلة المسائلُ الشرعية المتعلقة بالسفر؛ من صلاة وصيام وغيرها، لذا ينبغي عند الاستعداد للسفر مراعاة ما يلي:
- قراءة الكتب المختصرة عن أحكام السفر كالصلاة والأذان والأذكار وغيرها.
- جمع الوسائل الدعوية المناسبة للمنطقة المزارة؛ فعندما تكون المنطقة المزارة لديها أخطاء عقدية يهتم المسافر إلى تلك المنطقة بجمع الكتب والأشرطة والمطويات التي تصحح هذا الجانب.
- الأذكار المتعلقة بالسفر.
- قراءة بعض الفتاوى المتعلقة بالسفر.
- الاستعداد الثقافي والترفيهي: إن من الأمور المحببة للنفس وخصوصًا في الرحلات، الجوانب الترفيهية والثقافية؛ فتجد أن الكثير من المسافرين يحرصون عليها ويسعون إليها لذا ينبغي الاهتمام بهذا الجانب والتركيز عليه والاستفادة منه في تقديم بعض الأمور المفيدة بشكل جذاب يدخل على النفس البهجة والسرور ويكون ذلك بما يلي:
- تجهيز جميع اللوازم الخاصة بهذا الجانب من أوراق وأقلام وحاسب آلي (عند الحاجة).
- شراء الكتب الخاصة بالمسابقات الثقافية والألغاز والألعاب الحركية للاستفادة منها أثناء السفر.
- شراء الكتب الخاصة بالطرائف والقصص الممتعة والمفيدة.
- إعداد المسابقات الثقافية الورقية السريعة (حروف، أسرع إجابة، ألغاز).
- إعداد المسابقات الذهنية الورقية التي تحتاج إلى تفكير عميق وخيال واسع.
- إحضار الأشرطة المفيدة والمتنوعة؛ من دروس علمية، ومحاضرات قيمة، وأناشيد إسلامية هادفة، وبعض القصص التي تتحدث عن السيرة النبوية، والأئمة الأعلام وغيرها.
- الاستعداد الاجتماعي: عند الاستعداد للرحلة تجد أن الكثير منا قد لا يهتم بالتعرف على المنطقة المزارة، ولا بتحديد المناطق التي سيزورها لذا تجد أن الوقت قد يضيع عليه في زيارة بعض الأماكن التي قد لا تكون مناسبة له ولعائلته، لذا ينبغي الاهتمام بهذا الجانب والحرص عليه وذلك بمراعاة ما يلي:
- اختيار الصحبة الصالحة.
- حصر الأقارب والزملاء في المنطقة المزارة لزيارتهم.
- تجهيز المستلزمات الأساسية للرحلة من طعام وعصائر وأدوات طبخ وغيرها.
- تحديد البرنامج السياحي من حيث الأماكن والمناطق التي ستزار.
- الاستعداد الرياضي: وهناك عدد من الأمور ينبغي مراعاتها في هذا الجانب منها:
- تجهيز الأدوات الخاصة بالجانب الرياضي من ملابس وأدوات رياضية (كُرة، ملابس سباحة، بالونات… الخ).
- اختيار الألعاب الرياضية المناسبة للمشاركين في الرحلة وتجهيز الأدوات الخاصة بها.
- عدم المبالغة في البرامج الرياضية وإنما تكون بقدر الحاجة إليها.
إن الرحلة العائلية أمر مهم في حياة كل فرد، وهي محببة للنفس لما تشتمل عليه من متعة، وفائدة، فالكل يحرص على الذهاب في رحلة ما بين الحين والآخر تجديدًا للنشاط، وترويحًا عن النفس.
ويمكن قبل القيام برحلة ترفيهية، قراءة بعض الكتب الخاصة بالسفر، ومنها المختصر في أحكام السفر، والفتاوى المتعلقة بالسفر، وكتب عن المواقع المتعلقة بالمنطقة المزارة، وقراءة بعض القصص المثيرة للاستفادة منها في أوقات الفراغ أثناء الرحلة.