أنا رجل متزوج وعندي أولاد وأعيش حياة مستقرة نوعًا ما، إلا ما كان من بعض الأمور التي لا يخلو منها بيت والحمد لله.
لكنني لا أخفيك سرًّا أنني أفكر كثيرًا هذه الأيام وبشدة تقترب من التطبيق في الزواج مرة أخرى، وحتى لا تسيئ الظن بي فإنه ليست لي علاقة بأية امرأة تجعلني أفكر بالزواج منها، بمعنى أنه ليست هناك امرأة معينة أريد الزواج منها، إنما أريد الزواج لمجرد الزواج، فأنا رجل ميسور الحال وأستطيع أن أفتح بيتين، وأشعر أنّ زوجتي الأولى لم تملأ فراغي الجسدي والعاطفي، وأخاف على نفسي من الفتنة، سيّما أن عملي لا يخلو من التعامل مع النساء بجميع ألوانهن وأشكالهن. لكنني أخاف في المقابل أن يكون ما أتحدث عنه شيئًا من أحاديث النفس التي تركت لها العنان حتى سيطرت على نفسي. إنني الآن على وشك الإقدام على هذه الخطوة.. فبِمَ تنصحني؟
الإجابة:
يدفع بعض الأزواج للتفكير في الزواج الثاني أسباب عدة تختلف من حالة لغيرها، فكل حالة تقدر بقدرها حينها، وقبل أنّ تتخذ قرارًا في أمر كهذا يجب عليك في حالتك هذه أن تُراجع علاقتك بزوجتك أولًا، فبعض الأزواج يفكرون في الزواج الثاني مع كامل اعترافهم بعدم تقصير زوجاتهم في واجباتهن نحوهم، لكنك على العكس ترى من زوجتك تقصيرًا. والسؤال الذي يجب طرحه، هل صارحت زوجتك بما تفتقده بينكما؟ هل حاولتما معًا إصلاح الوضع؟ هل بذلتما جهدًا في تحسين علاقتكما؟
لا يجب أن يكون أول حل تلجأ له عند وجود نواقص في علاقتك بزوجتك هو استبدالها بأخرى، إذ ربما تتزوج بأخرى ثم تكتشف أن في شخصيتها وطريقتها ما لا يتوافق معك وهذا حتمًا سيحدث، لذلك عليك أن تفكر في الإصلاح والتحسين كخطوة أولى دائمًا، وبخاصة أنك قد وصفت حياتك في عمومها بالاستقرار – والحمد لله- وقد عافاك الله من كثير من المشكلات التي تعاني منها بيوت كثيرة الآن.
كثير من الأزواج لا يُعبّر عما بداخله ويفضل الكتمان ثم يُفاجئ زوجته برغبته في الزواج بعدما ما يكون قد امتلأ ولم يعد محتملًا أكثر من ذلك، وفي هذا افتئات وظلم للزوجة إذ من حقها أن تأخذ فرصتها في فهم الوضع ومحاولة تحسينه وتدارك الأخطاء.
وما دام لديك هذه المشاعر بعدم الكفاية تجاه زوجتك فيجب أن تتساءل وهل تشعر هي أيضًا بكفايتك لها؟ أنت كزوج قد أباح الله لك الزواج بأخرى، لكن الزوجة ليس لها إلا زوجها، وهو ما يستدعي بشكل أولى أن تحاولا إصلاح ما بينكما حتى لا يظلم أحد في هذه العلاقة.
إذا تأكدت من بذلك قصارى جهدك مع زوجتك في إصلاح الأمور وعدم تغير الوضع مع ذلك بحيث ظلت داخلك الحاجة نفسها للزواج، فعليك أن تعرف أنه أمر يبيحه الإسلام بشروط، فكما وضع شرطًا في الطعام والشراب وهما مباحان فقال: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا)، فقد وضع شروطًا للزواج الثاني فقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً).
والعدل هنا شرط أساسي وخطورة عدم تحقيقه أقرها رسول الله في الحديث الشريف: (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، فعليك أن تكون واضحًا وصادقًا مع نفسك في قدرتك على العدل من عدمه في حالة التعدد، وهو أمر يبين قبل الإقدام على الخطوة، يظهر في طبيعة شخصيتك وحكمك على عموم أمور حياتك وأدائك لحقوق أصحاب الحق عليك، هل تعدل في إيفائها أم تجور على أحد لحساب أحد؟
ومن الشروط أيضًا أن تكون قادرًا ماديًّا على كفاية حاجات البيتين بما هو معهود من مستوى معيشي تعيشه الآن، بداية هل تستطيع الآن كفاية أهل بيتك وزوجتك حاجاتهم أم تجد صعوبة في ذلك؟ وهل زواجك الثاني سيؤثر على إنفاقك على أهل بيتك فيضطرك للتقليل من مستوى معيشتهم الحالي أم تستطيع أن تنفق على زواجك الثاني بما هو فائض لديك؟ والقاعدة هنا كما قال الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ).
ومما لا شك فيه أن اللجوء للزواج الثاني بعد محاولة إصلاح الزواج الأول هو حل شرعي لمن خاف على نفسه الفتنة أو الوقوع في الحرام، بل هو واجب حينها فهو وبالرغم من بعض المشكلات التي قد تترتب عليه إلا أنه أفضل ألف مرة من الوقوع فيما حرمه الله أو نهى عنه كإطلاق البصر أو ما هو أكبر، وبخاصة لمن كانت طبيعة عمله تعرضه لكثير من الفتن والشبهات، كما أنه حل وسط بدلًا من اللجوء للطلاق والانفصال في حالات البيوت التي استحالت فيها العشرة بدلًا من أن تنهدم البيوت بالكلية خاصة في حال وجود أبناء.
ومن الحنكة أن يعف المرء نفسه لكن بما يحفظ حقوق زوجته الأولى ويبقي ودّها ويستجلب رضاها، ومحاولة الإصلاح أولًا مع العدل وعدم التقصير في احتياجات الزوجة الأولى، ثانيًا يضمن تحقيق هذا. كما أنه يجب التعامل بحكمة في حال تم الزواج الثاني فلا تذكر إحداهما للأخرى، ولا تقارن بينهما، كما يجب عليك أن تفصل بينهما في السّكن، وأن تفي بوعودك والتزاماتك تجاه كل منهما.
فالزواج الثاني كما هو مغنم أو حل لمشكلات البعض، فهو خطوة لها ضريبتها وما يرتبط بها من مسؤوليات وتحديات، وبخاصة في المجتمعات التي لا تقبل به بسهولة في أعرافها، لذلك يجب أن يكون الأزواج على وعي بهذا وأن يتنبهوا لحقوق الأطراف كافة أثناء التفكير في هذه الخطوة تمامًا كما يفكرون في حقوقهم وكيفية الحصول عليها.
ولا يخفى على أحدٍ أنه إن كانت الزوجة قد اشترطت في عقد الزواج أو أنه قد اتفق شفاهةً بعدم الزواج ثانية فلا يجوز للزوج أن يتزوج حينها ثانية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج).
وبالرغم من أن موافقة الزوجة الأولى ليس شرطًا لصحة الزواج الثاني إلا أننا ننصح في حال آلت الأمور لهذا ألا يتم الأمر إلا بعلم ورضا الزوجة الأولى، حرصًا على مشاعرها ودرءًا لكثير من المفاسد وتقليلًا لكثير من المشكلات التي تنشأ لو تم الأمر بصورة أخرى.