أودع الله- سبحانه وتعالى- في الإنسان فطرة سليمة تدله على الخير وتحميه من الرذائل والخبائث التي منها الشذوذ الجنسي، والذي ينتشر انتشار النار في الهشيم في العصر الحالي، وتحرص دول ومؤسسات عديدة على دعمه بل وتجريم مَن يُحاربه.
وتُثير هذه الظاهرة قلق الكثير من المجتمعات، الإسلامية وغيرها، كما تثير قلق الكثير من الناس على مختلف مشاربهم الدينية والفكرية والاجتماعية؛ بسبب محاولة دعاتها نشر تلك الرذيلة في جميع أنحاء العالم، وانتقالهم من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحديهم القوانين والشرائع التي تُحرم هذا الفعل وتجرّمه.
ما هو الشذوذ الجنسي؟
الشُّذوذ: (اسم) شَذوذ، شُذُوذ.. ومصدر شذَّ/ شذَّ عن بمعنى ابتعد عن الوضع الطَّبيعيّ، انحرف عن القاعدة أو الشَّكل أو النِّظام المتعارف عليه أو الشّائع. والشُّذوذ الجنسيّ: انحراف عن السُّلوك الجنسيّ الطّبيعي (1).
والشُّذوذ الجنسي أو البارافيليا، أو ما يعرف- أيضًا- بالانحراف الجنسي أو الخطل الجنسي، هو مصطلح يطلق على مجموعة من الاضطرابات العاطفية التي تتمثل على شكل سلوك وتصرفات ودوافع جنسية غير طبيعية، يتم الانجذاب فيها إلى آخرين من الجنس نفسه(2).
وهو اسم يطلق على كافة الممارسات الجنسية غير طبيعية المخالفة للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وقد تقع هذه الممارسات بين الرجل والرجل، وتلك فاحشة اللواط، أو بين المرأة والمرأة، وتلك فاحشة السحاق.
أسباب الشذوذ الجنسي
الشذوذ واحد من السلوك البشري المعقد جدًّا، وهناك أسباب عديدة ربما تتفاعل مع بعضها البعض وتؤدي إلى هذا الميول الجنسي الشاذ، ومنها:
- الإساءات الجنسية التي يتعرض لها البعض في الصغر.
- ضعف التربية، وعدم تنشئة الشخصية بصورة صحيحة على معاني الفضيلة وحُسن الأخلاق، والتوجه الجنسي الصحيح.
- قلة معرفة بعض الآباء والأمهات بالثقافة الجنسية، ما يفقدهم القدرة على توجيه أبنائهم التوجيه الصحيح، أو تأثرهم بالحداثة، ما يجعلهم يتركون أبنائهم لخوض التجربة والحكم.
- التشجيع الاجتماعي من المسببات الرئيسية للشذوذ الجنسي وممارسة الفاحشة حيث ينشأ الطفل في بيئة تمارس هذا الأمر وكأنه شيء طبيعي.
- اضطراب الشخصية وعدم قدرتها على تمييز الصواب من الخطأ، وتأثرها بالأفكار الداعية لكامل الحرية والتخلي عن مضمون الدين.
- الفراغ ومحاولة البعض للتقليد والتجربة ما يدخله في نفق اللاعودة(3).
الإسلام والشّذوذ الجنسي
ترى الشريعة الإسلامية التي تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية أن المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي، خروج عن فطرة الإنسان، وتعتبرها خطيئة وجريمة يجب أن يحاسب عليها المشارك فيها.
وقد أفرد الله- عز وجل- في كتابه الكريم لقصة قوم لوط مساحة؛ لعظم الجُرم والانحراف عن الفطرة السّوية التي قام بها قوم لوط، حتى إن الإمام ابن القيم وصفها بقوله في كتابه (الجواب الكافي): {وَلَمَّا كَانَتْ مَفْسَدَةُ اللِّوَاطِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ؛ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ}.
وقد ذكر الله سبحانه المسار الطبيعي للعلاقة الجنسية فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6]، وحذّر- جل وعلا- من الخروج عن هذا المسار واعتبر أي تعدٍّ في غير هذا المسار جريمة فقال تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:7].
قال المفسرون: إن قول الله تعالى {فَمَنِ ابْتَغَى ورَاء ذَلِكَ} يشمل كل أنواع الممارسات والاستمتاعات الجنسية الخارجة عن إطار العلاقات الزوجية المشروعة التي أباحها الله- عز وجل- لعباده.
فالإسلام حرم المثلية الجنسية كونه ابتعاد عن الفطرة السوية التي خلق الله عليها الناس، وهو ما جاء في وصف سيدنا لوط لقومه وهو يخاطبهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166].
وذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- أغلظ العقوبات لمن يأتي هذا الفعل فقال: “مَن وجدتموه يعملُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتلوا الفاعلَ والمفعولَ به” (صحيح أبو داود).
ويرى الدكتور يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- في المثلية الجنسية “انتكاسا في الفطرة ومفسدة للرجولة وظلما للمرأة”، وأن “شدة العقوبات إنما هي لتطهير المجتمع الإسلامي”.
وقد عاقب الله فرعون وثمود وغيرهما من الأمم بعقوبة واحدة، لكنه عاقب قوم لوط على فعلتهم بعقوبات مضاعفة، حيث خسف بهم الأرض وجعل عاليها سافلها، ثم أرسل عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة(4).
لماذا يدافع الغرب عن المثلية الجنسية؟
كان للانتكاسة الدينية التي تعرض لها الغرب بسبب سطوة الكنيسة، وتسخير الدين لخدمة السادة والإقطاعيين وإضفاء الشرعية على الجرائم المرتكبة ضد الشعوب أن أفقدت الناس ثقتهم في الدين والكنيسة، وأن الرب في خدمة الطواغيت والمتجبرين والاقطاعيين.
لذا ما إن حدثت الثورة الصناعية حتى ثار الغرب على ثوابته الدينية فهدمها ودعا للحرية المطلقة في كل شيء.
ولا أحد يُنكر دور اليهود في دفع الناس للمطالبة بالتحرر من الدين والأخلاق ودعم التوجهات الشاذة، فنرى أن الحاخامات المنتمون لأكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة صوتوا لمصلحة الاعتراف بزواج الشواذ، وذلك في المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية، وصرح رئيس المؤتمر تشارلز كرولوف قائلاً: “إن من حق الشواذ الاعتراف بزواجهم واحترامهم”.
ومع مرور الأيام خرج مَن اعتبر الشذوذ مرضًا وليس إثمًا أو خطيئةً، ودعا إلى احتواء هؤلاء المرضى وتركهم يمارسون حياتهم الطبيعية، حتى إن تقرير “ولفيندن” الذي نُشر في بريطانيا عام 1957م، أوصى باستبدال كل القوانين التي تجرم هذا الفعل.
وفي عام 1969م كانت بداية الشرارة الثورية لعالم المثلية الجنسية، وكان لزيادة الأعداد واندلاع التظاهرات المطالبة بحقوق الشّواذ أن رضخ السياسيون لمطالبهم، حتى وصل الحال إلى أن أصبح مطلبًا انتخابيًا ضمن برامج السياسيين والنواب الغربيين.
بل تبنّت مطالبهم المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة وسعت إلى فرضها على جميع الدول المشتركة فيها، ومنها الدول الإسلامية والعربية وإن كانت تواجه صعوبة شديدة(5).
خطوات عملية لحل المشكلة
رغم المحاولات المستميتة لنشر الشذوذ الجنسي، فإن التربية الإسلامية وتعاليم الشريعة الإسلامية ما زالت محضنًا تربويًا عظيمًا يجنب الأفراد والأمة التساهل مع هذه الفاحشة.
ومع تجريم هذه الفعلة، فإن كثيرًا من العلماء أجاز التوبة لمن وقع فيها وأراد الرجوع عنها قبل أن يقدر عليه الحاكم المسلم ويعاقبه، ومن الأمور التي تساعد على علاج هذه المشكلة:
- على الفرد القناعة بحجم المشكلة وأن هذا الأمر مرفوض، وهو يمثل إهانة للنفس والأسرة، وفوق ذلك محرم تحريمًا قاطعًا بنص الشرع، ولا بد من عدم اللجوء للنكران والتبرير كدفاع نفسي لسلوكهم، لأن ذلك بداية الوقوع في الفاحشة.
- مراقبة الله والعلم بأنه ناظر إليك، فذلك حري أن يجعلك تستحيي منه سبحانه.
- تذكر أن الدنيا كلها بملذاتها وشهواتها ينساها الإنسان مع أول غمسة يُغمَسها في النار والعياذ بالله.
- الشعور بدنو الموت، فتنظر كيف يكون حالك إذا قبض الله روحك وأنت على هذه المعصية!
- عدم مصاحبة العصاة، وبخاصة الذين يقومون بهذه الفعلة واستبدالهم بالصحبة الطيبة الصالحة.
- التضرع إلى الله والإلحاح عليه في الدعاء بِذُلّ ومَسكنة، فتلك حال يحب الله أن يراها من عبده، فاسأله سبحانه أن يصرف عنك هذا البلاء وأن يهدي قلبك ويرزقك العفة(6).
كيف نحمي أبناءنا من المثلية الجنسية؟
للآباء دور كبير في حماية أبنائهم من التفكير في الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية، لذا عليهم:
- مُتابعة أنشطة الأولاد الواقعية والإلكترونية؛ بغرض تحصينهم من رسائل ترويجِ وتقبل ودعم المثلية الجنسية.
- توضيح موقف الأديان والفضائل الرافض للشُّذوذ الجنسي، ونشر وعي صحيح يتصدى للدعاية المُوجَّهة لهم عبر المنافذ المذكورة.
- شَغل أوقات فراغ الأبناء بما ينفعهم من تحصيل العلوم النَّافعة، والأنشطة الرياضية المختلفة.
- تنمية مهارات الأبناء، وتوظيفها فيما ينفعهم، وينفع مجتمعهم، والاستفادة من إبداعاتهم، وتقديم القدوة الصالحة لهم.
- تخير الرفقة الصالحة للأبناء، ومتابعتهم في الدراسة من خلال التواصل المُستمر مع معلميهم.
- التشجيع الدائم للشباب على ما يقدمونه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء، ومنحهم مساحة لتحقيق الذات، وتعزيز القدرات، وكسب الثقة.
- دعم وتعزيز الشخصية والثقة في النفس لدى الطفل التي تقيه مستقبلًا من الانحرافات النفسية والسلوكية.
- برمجة عقل الطفل وتفكيره بالحديث معه عن أصل الخلق وأن الله خلق لآدم حواء، وأن العلاقة الطبيعية بين الذكر والأنثى قائمة على التكامل في العلاقة العاطفية والجنسية، لأن الهدف منها التكاثر وحفظ النسل وضوابط العلاقة بين الجنسين (بأسلوب يناسب عمر الطفل).
- عدم ترك الطفل مع الخادمة أو مع السائق أو شخص بمفرده مهما كان هذا الشخص أمينا ومعروفا؛ فالشهوة حين تسيطر على صاحبها تحجب عقله.
- يجب على أولياء الأمور المبادرة بتعليمه حماية نفسه من التحرش بطرق غير مباشرة، بأن هناك مناطق لا يجوز لمسها، وإن حصل ذلك يجب أن يخبر والديه فورًا.
- تحذيره من الذهاب مع البالغين أو الغرباء إلى أماكن معزولة بعيدة عن أنظار الآخرين(7).
إنّ الشذوذ الجنسي فاحشة منكرة، مخالفة للفطرة الإنسانية، وهادمة للقيم الأخلاقية، وسلوك عدواني، ويجب أن نحذر أبناءنا منه، ونأخذ بالأسباب التي تحميهم من الاستغلال أو الوقوع في هذا الأمر.
المصادر والمراجع:
- تعريف ومعنى شذوذ في معجم المعاني الجامع
- الشذوذ الجنسي في المصطلحات الطبية.
- د. محمد عبد العليم: ما هي أسباب الوقوع في الشذوذ الجنسي؟، 1 نوفمبر 2005،
- فتحي يكن: الإسلام والجنس، طـ2، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1975، صـ56- 57.
- ثورة الشذوذ الجنسي في الغرب تهدد العالم الإسلامي!: 8 نوفمبر 2007،
- مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية: وسائل نافعة لعلاج الشذوذ، 21 ديسمبر 2004،
- بسام رمضان: 6 نصائح لحماية الأبناء من الشذوذ الجنسي، وانظر أيضا: كيف تحمي طفلك من الشذوذ الجنسي؟.