لا أحد يُنكر أهمية دور المدارس الإسلامية في تعزيز القيم الأخلاقية لدى التلاميذ، خصوصًا في المرحلة الابتدائية التي تتشكل فيها الشخصية، ويكتسب فيها الطفل الأخلاق الحميدة، ويعرف خطورة الأخلاق المذمومة وعواقبها؛ فيجتنبها. ولهذه المدارس أهداف تربوية تجتهد في تحقيقها، تتميز بها عن غيرها من المدارس، على اعتبار أن مصادر أهدافها تستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن الشريعة الإسلامية بشكل عام.
والهدف التربوي؛ يعني: “التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية أو الجهد التربوي إلى تحقيقه سواء في سلوك الفرد، وفي حياته الشخصية، أم في حياة المجتمع، وفي البيئة التي يعيش فيها الفرد، أو في العملية التربوية نفسها، وفي عمل التعليم بوصفه نشاطا أساسيا، ومهنة من المهن الأساسية في المجتمع”.
ويقسم علماء التربية الأهداف التربوية إلى قسمين: أهداف أغراض (غايات)، وأهداف وسائل. وأهداف التربية في المدارس الإسلامية تميزها عن غيرها من الأهداف التربوية في المدارس الأخرى في مراحل التعليم العام؛ وهي تشمل: التعبد والربانية، والتحرر من الاستبداد، ومكارم الأخلاق، والتعليم، وتنمية القدرات العقلية، والتوجيه الاجتماعي، والإعداد البدني، والتربية الجمالية والوجدانية.
والمدارس الإسلامية تعترضها عقبات، تهدد تحقيق أهدافها، أو تقلل منها، على أقل تقدير. ومن هذه العقبات: أن هذه المدارس الإسلامية ملتزمة بالنظام التعليمي في الدولة؛ وهذا النظام التعليمي نشأ وترعرع في ظل الاستعمار، مما يجعله متعارضا في بعض جوانبه مع التوجه الإسلامي الأصيل، كما أن المدارس الإسلامية تتطلب كوادر بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا في البعد العلمي التخصص، والبعد التربوي النفسي والبعد العلمي الديني؛ وهذه الكوادر فيها نقص.
ومن العقبات التي تعترض أهداف المدارس الإسلامية، الاضطرابات التي يتعرض لها الأطفال الذين يتربون في هذه المدارس على النظام الإسلامي في التعامل؛ ثم يصطدمون بالمجتمع الخارجي الذي يتعامل بطريقة بعيدة عن المظاهر الإسلامية .
من هذا المنطلق، تحاول هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما أهداف التربية الإسلامية؟
- ما المصادر التي تستمد منها أهداف التربية الإسلامية؟
- ما أهداف التربية في المدارس الإسلامية؟
- إلى أي مدى يمكن تحقيق أهداف التربية في المدارس الإسلامية؟
الهدف التربوي هو: التغييرات التي يراد حصولها في سلوك الإنسان الفرد، وفي ممارسات واتجاهات المجتمع المحلي أو المجتمعات الإنسانية. فهي تصف الصفات: العقلية، والنفسية، والشخصية، التي يتمتع بها الفرد المثقف تثقيفا عاليا. وهي تصف الاتجاهات والخصائص الاجتماعية التي يتصف بها المجتمع الراقي المتحضر. وهذه الأهداف هي الثمرات النهائية للعملية التربوية (1) .
ويعرف باحث آخر الهدف بأنه: “التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية أو الجهد التربوي إلى تحقيقه سواء في سلوك الفرد، وفي حياته الشخصية، أم في حياة المجتمع، وفي البيئة التي يعيش فيها الفرد، أو في العملية التربوية نفسها، وفي عمل التعليم بوصفه نشاطا أساسيا، و مهنة من المهن الأساسية في المجتمع” (2).
ويعرفه الدكتور أحمد الدغشي بأنه: التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه في أي مجال من المجالات التربوية سواءً كان ذلك قريباً أم بعيداً، مرحلياً جزئياً متدرجاً أم نهائياً غائياً كلياً (3).
أهداف التربية الإسلامية
تنقسم الأهداف التربوية إلى قسمين رئيسين:
- الأهداف الأغراض: أي التي تشتمل على الأغراض والمقاصد النهائية التي يراد إنجازها وتحقيقها على المستويات الفردية والاجتماعية والعالمية. وهناك من يطلق عليها (الأهداف الغايات).
- الأهداف الوسائل: أي التي تشتمل على الوسائل والأدوات الفعالة لتحقيق (الأهداف الأغراض).
ولا غنى لأيٍّ من القسمين عن الآخر.
وهناك من يطلق على النوع الأول (الأهداف التربوية)، وعلى النوع الثاني (الأهداف التعليمية) (4).
ويذهب د. عمر الشيباني إلى أن الأهداف التربوية بالمعنى السابق ذكره، ثلاثة أنواع رئيسية؛ هي:
أ- أهداف فردية ذاتية تتعلق بأفراد المتعلمين، وبذواتهم الخاصة، وبما يتعلق بهؤلاء الأفراد من تغير مرغوب في سلوكهم ونشاطهم وأدائهم. ومن نمو مرغوب أيضا في شخصياتهم، ومن إعداد مطلوب لهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة.
ب- وأهداف اجتماعية تتعلق بحياة المجتمع ككل وبالسلوك الاجتماعي العام، وبما يرتبط بهذه الحياة من تغير مرغوب فيها، ومن نمو وإثراء وتقدم مطلوب فيها.
ج- وأهداف مهنية -تتعلق بالتربية والتعليم – باعتبارها علما وفنا ومهنة ونشاط من أوجه نشاط المجتمع.
ومن واجب العملية التربوية- حسب التقسيم الثلاثي للأهداف التربوية حسب مجالاتها- أن تسعى إلى تحقيق هذه الأنواع الثلاثة جميعا، ولا يتحقق صلاحها وكفايتها إلا إذا ساهمت واتجهت بجهودها لإصلاح الفرد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح العمل التعليمي نفسه بكافة جوانبه وعملياته وطرق وسائله (5).
مستويات الهدف التربوي
يمكن تقسيم الهدف التربوي إلى ثلاثة مستويات، وهي: هدف أعلى نهائي، وهدف عام، وهدف خاص أو جزئي.
أولًا: الهدف الأعلى أو النهائي للتربية، وهو الذي لا يعلوه هدف آخر، وإن اندرجت تحته أهداف أخرى أقل قربا وأقل عموما منه. وهو هدف واجب التحقيق، والمساهمة في تحقيقه على جميع مؤسسات المجتمع وهيئاته وأجهزته، من بيت، ومدرسة، ومسجد، وغير ذلك من المؤسسات التي يمكن أن يكون لها دور في تحقيق هذا الهدف التربوي؛ كالصحافة، والإذاعة، والمكتبات العامة، ونوادي الشباب، وما إلى ذلك.
والهدف الأعلى أو النهائي للتربية هو (إعداد الإنسان للحياة الدنيا والآخرة).
وفي مقدمة القائلين بهذا الهدف هم المربون المسلمون الواعون بحقيقة دينهم وبمقاصده النبيلة وتعاليمه ومبادئه السمحاء (6).
ثانيًا: الأهداف العامة للتربية، ويقصد بها “تلك الغايات أو التغيّرات المرغوبة التي تسعى التربية إلى تحقيقها والتي تعتبر أقل عموماً وأقرب منالاً من الهدف الأعلى وأقل خصوصاً من الأهداف الخاصة” (7). ويمكن أن تكون الأهداف العامة للنظام التربوي ككل، أو لمرحلة من مراحله كالتعليم الثانوي مثلاً، وقد تكون لنوع معين من التعليم كالتعليم الشرعي أو الفني مثلاً (8)، وكذلك فإن ربط أهداف التعليم في المرحلة الابتدائية مثلاً بالنمو الجسمي والعقلي والاجتماعي والعاطفي والروحي؛ يعدّ من ضمن الأهداف العامة (9).
ثالثًا: الأهداف الخاصة: وفيقصد بها “التغيّرات المرغوبة الجزئية أو الفرعية التي تدخل تحت كل هدف من الأهداف التربوية العامة الرئيسة، أو هي مجموعة المعارف والمهارات وأنماط السلوك والاتجاهات والقيم والعادات المرغوبة، التي يتضمنها الهدف الأعلى، أو العام للتربية، والتي لا يتحقق الهدف الأعلى أو العام تحققاً كاملاً بدون تحققها” (10).
ومن أمثلة الأهداف الخاصة المندرجة تحت الهدف العام القائل بـتنمية الوازع الديني والخلقي: تعريف الناشئة عقائد الإسلام وقواعده وأصول العبادات.. وتنمية الوعي الصحيح بالإسلام وما فيه من مبادئ وقواعد للأخلاق الفاضلة، وغرس الإيمان بالله تعالى خالق العالم، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر على أساس من الفهم والوعي والتأثر الوجداني …إلخ (11).
وهكذا فإن الحديث عن أهداف نهائية أو غائية مطلقة كالإعداد للحياة الدنيا والآخرة يقتضي تحقيق جملة من الأهداف العامة والخاصة قبل ذلك.
وينبغي التنبيه إلى أن تقسيم الأهداف التربوية إلى الأقسام أو الأصناف الثلاثة السابقة، لا يخلو من التداخل، حيث إن الهدف الواحد، قد يوصف بالعموم تارة، وبالخصوص تارة أخرى، وذلك حسب النظرة إليه؛ فالأمر نسبي (12).
وعلى الرغم من صعوبة تحديد الأهداف، فإن هناك معايير يتفق عليها معظم التربويين لابد من توافرها، حتى تكتسب عملية الصياغة دقة وفاعلية، نذكر منها (13):
- الهدف التعليمي ينبغي أن يكون واضحا في صياغته، بسيطا في إدراكه، ممكنا في تطبيقه.
- ينبغي أن يكون الهدف التعليمي مناسبا للمرحلة العمرية في النظام التعليمي. وهذا التناسب تحدده خصائص مرحلة النمو، كما تحسمه التجارب العلمية، في بيئة معينة، وفي مجتمع بذاته.
- أن يكون الهدف التعليمي متضمنا ذلك السلوك الذي نتوقع أن يتعلمه تلاميذ المرحلة العمرية، ولذلك فإن الأهداف العامة ينبغي أن تحلل إلى أهداف فرعية مصاغة صياغة سلوكية.
- أن يعين الهدف التعليمي على صياغة الخبرات التعليمية التي تحققه في الناشئة والشباب.
- أن تتصف الأهداف التعليمية بالاستمرارية، بحيث تبنى على أهداف سابقة، وتمهد لأهداف لاحقة، وأن تواكب مع ذلك باستمرار الخبرات والمناهج التعليمية، ذلك أن النمو الإنساني حلقات متصلة في سلسلة تكوِّن خطا متصاعدا.
- أن تتصف الأهداف بالشمول؛ بحيث تستغرق مختلف جوانب الشخصية الإنسانية: جسميا، وعقليا، وروحيا، وعاطفيا، واجتماعيا.
- أن تتصف الأهداف بالتكامل، بحيث يتحقق في جملتها شخصية سوية لا تناقض بين مكوناتها وقيمها.
- أن تتصف بالتوازن، فلكل جانب من الجوانب التي ينبغي على الأهداف أن تحققها- مساحة معينة.
المصادر التي تستمد منها أهداف التربية الإسلامية
لعلنا هنا نأتي إلى ما يمكن تسميته (بيت القصيد)، ذلك أن نوعية المصدر هي التي تحدد نوعية الهدف واتجاهه. وربما لا نجد اختلافًا إذا تساءلنا عن (أهداف التربية الإسلامية) إلا قليلًا، لكننا إذا تساءلنا عن مصادر اشتقاق أهداف التربية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فها هنا لا بد من أن نجد الاختلاف والتباين بين علمانيين وإسلاميين، فالفريق الأول ينظر إلى العقيدة الدينية على أنها أحد المصادر، بل وربما يحصر هذا المصدر فيما يتصل فقط بمقرر خاص عن الدين، ومن جهة أخرى يجعل الدنيا- متمثلة في الواقع الاجتماعي بمشكلاته ومقوماته- المصدر الرئيس لاشتقاق الأهداف.
ونحن بطبيعة الحال لا يمكن أن نتغافل الحاجات والمشكلات الاجتماعية ومقومات الاجتماع البشري عند اشتقاق الأهداف التربوية، لكننا إذ نضعها في الاعتبار، فإنما عن طريق تأطيرها بالإطار الأم والمصدر الكلي وهو العقيدة الإسلامية؛ فالإسلام هو المصدر الأساسي الذي يستمد منه المجتمع الإسلامي فلسفة تربيته وأهدافها وأسس التخطيط لمستقبلها وأسس مناهجها وطرق تدريسها ووسائلها وأساليب إدارتها ونظمها، وهو ما تحاول أن تعمل به المدارس الإسلامية في مجتمعاتنا (14).
وأول مصدر، بل وأصل المصادر كلها، القرآن الكريم؛ وليس القرآن مجرد كتاب يلتزم منهجًا واحدًا لبيان تشريعاته، وليس مجرد كتاب أدب يبغي هز المشاعر والأحاسيس وإثارة الأخيلة، وإنما هو كتاب لتربية الناس، ينوع من أساليبه باختلاف المواقف والموضوعات، فلم يعبر في كل أمر واجبٍ بمادة الوجوب، ولا في كل ما هو محرم بمادة الحرمة، بل تراه يعبر طورًا عن الواجب بصفة الأمر بالفعل كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة:103)، وطورًا يعبر عنه بأنه الفعل المكتوب، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
وتارة يدل على الوجوب بما يترتب على الفعل في الدنيا أو الآخرة من خير؛ أما ترتب الخير على الفعل في الدنيا، فمثل قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2-3). وأما ترتب الخير على الفعل في الآخرة، فمثل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (غافر: 40)، وقوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (الكهف:107).
أما المصدر الثاني فهو السنة النبوية الشريفة؛ إذ يمثل الرسول المربي محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم- قمة التكامل الإنساني في الرسالة الإلهية بعد أن تخطت الإنسانية أدوارها الأولى خلال آلاف السنين، وبلغت مرحلة النضوج وكثرت أعدادها البشرية وبالتالي تقاربت أماكن تجمعها.
وقد تمثلت الوظائف التربوية للرسول المربي في تربية الإنسان في الوظائف التالية:
- الوظيفة الأولى: هي التبليغ الأمين والكامل لرسالة الله تعالى، بكل ما تحمله الرسالة من أبعاد توجيهية إرشادية في شؤون العقيدة والعبادة والسلوك العام واليومي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
- الوظيفة الثانية: القيام بالشرح والإيضاح للمنهج التربوي الإضافي لاسيما في مواطن الإجمال التي قدمها القرآن، فالقرآن هو المنهج الأساسي لتربية الإنسان، والرسول الكريم هو الإنسان الأول الذي يستطيع أن يقدم الفهم السليم والإدراك العميق لمضمون الآيات الكريمة، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
- الوظيفة الثالثة: هي التطبيق العملي والفعلي المتجسد لمضمون الرسالة التربوية، وهذه إحدى المميزات الكبرى للرسول المربي، والتي يعلو بها ساميًا على غيره من المربين العاديين وهم في كثير من مبادئهم التربوية يكتفون بإلقاء الوصايا والتعاليم على غيرهم دون أن يُلزموا أنفسهم ومن حولهم بها، بل إنهم قد يفعلون عكس ما يدعون إليه.
- الوظيفة الرابعة: الرسول الكريم ذاته موجهٌ ومربٍ ومرشدٌ ينبغي طاعة أوامره والاقتداء بسلوكه، وقد أمر الله تعالى المؤمنين في القرآن الكريم أن يتقبلوا ما يأتيهم به الرسول، فيجب الاقتداء به وبأقواله وأعماله وسلوكه، واجتناب ما عينّه بنهي، يقول عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 7). (15).
أهداف التربية في المدارس الإسلامية
يأتي على رأس أهداف التربية في المدارس الإسلامية في مجتمعاتنا:
1- التعبد والربانية:
إذ يُطلق على الإنسان نتيجة هذه التربية أنه (رباني) إذا كان وثيق الصلة بالله، عالمًا بدينه وكتابه، معلمًا له، وفي القرآن الكريم: {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79).
وربانية الغاية والوجهة تعني أنّ الإسلام في تربيته يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية التربية ووجهة المدرسة الإسلامية، ومنتهى أمل المتعلم وسعيه في الحياة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}، {وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ} (الانشقاق:6).
وهذه العقيدة تمكن المؤمن من مواجهة الحياة بروح العبادة، وجهد العمل الصالح، كما تمكنه من التغلب على مصاعبها- مهما تعقدت- بروح الأمل في الله والاستعانة به، والثقة بعدله وحكمته، والرضا بقضائه، وبذلك تحقق له نوعًا فريدًا من سكينة النفس وسلامها الداخلي لا يتحقق للوثني المشرك.
والقرآن الكريم هو أداة المدرسة الإسلامية الأولى حين يتلقاه تلاميذها بقلوب متفتحة فتتلقى منه الشحنة المقدسة التي أودعها الله فيهم: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:29)، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24). ومن أجل هذا توجب التربية الإسلامية على المدارس، قراءة القرآن وتدبر آياته، فهو مَعين التربية الأولى ومَعين الحياة، كما أن للقرآن طريقته الخاصة في لمس القلوب واستجاشة وجدانها إلى حقيقة الألوهية (16).
ويرتبط بهذا ارتباطا وثيقا أن تربي المدرسة الإسلامية تلاميذها على ممارسة العبادات التي أمر الله عز وجل بها. فقد روى الحاكم وأبو داود عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”.
ويقاس على الصلاة ربط التلميذ بعبادة الصوم إذا كان التلميذ يطيقها، وبعبادة الحج إذا كان الأب يستطيعها، وبعبادة الزكاة إذا كان المربي يقدر عليها، كذلك لا بُد من ربط التلاميذ ببيوت الله لما روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان”. ذلك أن المسجد من أهم الوسائط التي يتكون من خلالها الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي (17).
2- التحرر من الاستبداد:
فمن المعروف أن التربية الصحيحة لا تكون في ظل مناخ الاستبداد. والحق أن عبيد السلطة التي لا حدود لها هم غير مالكين أنفسهم ولا هم آمنون على أنهم يربون أولادهم لهم، بل هم يربون أنعامًا للمستبدين وأعوانًا لهم عليهم. وفي الحقيقة، كما يؤكد الكواكبي، أن الأولاد في عهد الاستبداد “سلاسل من حديد يرتبط بها الآباء على أوتاد الظلم والهوان والخوف والتضييق”.
ويقول الكواكبي أيضاً: “إن الاستبداد المشؤوم الذي تُمارسه المدرسة يؤثر في الأجسام فيورثها الأسقام، ويسطو على النفوس فيفسد الأخلاق، ويضغط على العقول فيمنع نماءها بالعلم”.
ولما كان الاستبداد له مثل هذه الآثار الممقوتة، حرص الإسلام حرصًا شديدًا على الحرية بمعانيها المختلفة، حرصًا يوفر للتعليم مناخًا صحيًّا لا مناص منه إذا أردنا له نموًّا وازدهارًا والإسلام في هذا قد سبق كثيرًا من المذاهب والشرائع سبقًا غير عادي، ذلك أن الحرية في الإسلام- خلافًا للشرائع الوضعية- ليست حكمًا سياسيًا فحسب، وليست جزءًا من شريعة الإسلام، وإنما هي في الحقيقة جزء من عقيدة الإسلام، وهو ما تسعى المدارس الإسلامية على غرسه.
ولقد جاء في تفسير المنار خاصًا بآية الشرك في قوله تعالى: {اِنَّ اللّٰهَ لَا يَغْفِرُ اَنْ يُشْرَكَ بِه۪} (النساء: 48)، أن الحكمة في عدم مغفرة الشرك هي أن الدين إنما شرع لتزكية نفوس الناس وتطهير أرواحهم وترقية عقولهم، والشرك هو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر وأفكارهم ونفوسهم، ومنه تتولد جميع الرذائل والخسائر التي تفسد البشر في أفرادهم وجمعياتهم؛ لأنه عبارة عن رفعهم الأفراد منهم، أو لبعض المخلوقات التي هي دونهم أو مثلهم، إلى مرتبة يقدسونها ويخضعون لها ويذلون بدافع الشعور بأنها ذات سلطة عليا فوق سنن الكون وأسبابه.
لقد اختار الله الإنسان ليعمر هذا الكوكب الذي نعيش على ظهره ونضرب في مناكبه، وما كان له وهو عانٍ موثق ذليل أن يجد لمهمته سبيلا.. ولو أنه قدر لنا أن نرى الأرض قبل أن يفد الإنسان إليها، وكيف أحالها من عماء موحش إلى تحفة تزدان بآثار عقله وما عملت يداه، إذن لآمنّا في بداهة وتسليم بأنه قبس من الإله.
ولقد اختاره أيضًا ليكون خليفته في الأرض ومنفذًا لمشيئته عليها، وأعلن ذلك في كتابه الكريم حين قال سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} (سورة البقرة: 30) وما دام ذلك كذلك، فلا بد أن يتاح لهذا الإنسان من فرص الكرامة والعزة والسيادة، ما يجعله أهلًا لتمثيل إله اتصف بالعزة والكبرياء والسيادة.
كذلك فمن أعظم الآفات العاصفة بالحرية، استعباد المرء لنفسه بأن ينساق وراء شهواته فلا يستطيع عنها حولا، فإذا أصبح المرء عبدًا لنفسه- نعني لأهوائه ونزواته وشهواته ورغباته- سهل عليه بعد ذلك أن يصبح عبدًا لغيره من الناس والأشياء. وهنا نتسائل: ما العلة التي تجعل الإنسان عبدًا وتباعد بينه وبين الحرية أشواطًا واسعة؟
الجواب عن ذلك يكمن في القيم؛ ذلك أن كل واحد منا يعيش في عالم يتصل فيه بأمور شتى؛ فله علاقات مع أهله وإخوانه من صداقات ومعاملات، وله علاقات مع الأشياء المختلفة، كالمال والسلع والأدوات التي يستخدمها في ملبسه ومسكنه ومأكله وغير ذلك. أضف إلى ذلك أنه يتصل بعالم من الأفكار المعنوية والروحية (18).
3- مكارم الأخلاق:
لقد حدد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته والذي تأخذ به المدارس الإسلامية في شتى بقاع الأرض، إذ يقول- صلى الله عليه وسلم-: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق”، كما رواه مالك. فكأن الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مد شعاعها وجمع الناس حولها، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليه على بصيرة (19).
والعبادات التي شرعت في الإسلام واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها، كلا، فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق، مهما تغيرت أمامه الظروف. إنها أشبه بالتمارين الرياضية التي يقبل الإنسان عليها بشغف ملتمسًا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة.
فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها، فقال: {وأقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ} (العنكبوت: 85).
والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي- أولًا- غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة:103). فتنظيف النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى.
ولهذا اصطفى الله رسوله محمدا من أكرم دوحة، وأدبه أحسن تأديب، أدبه ربه بمثل قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199). و{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90). و{وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان: 17). و{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125). وكان القرآن الكريم منهل أخلاقه، قال سعد بن هشام: دخلت على عائشة فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: كان خلقه القرآن. (20).
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب، فكان مثالًا أعلى لها، وعمل على أن تكون آداب أمته، وأخلاقها التي تعتبر شريعة لها في سلوكها أفرادًا وجماعات.
والتقوى هي المركز الذي تلتف الفضائل حوله، ويرنو إليه كل فرد برغبة ورهبة، ويدور في محيطه، سواء أحقق له نفعًا عاجلًا أم لم يحقق، بل إنه يدور من حوله منجذبًا إليه وإن كان في دورانه ضرر محقق يمسه في نفسه أو في ماله أو في رغبة من رغباته (21).
وللقانون الأخلاقي في الإسلام سماته التي تميزه عن غيره في الفلسفات والأديان الأخرى، وأول هذه السمات هي سمة (الثبات)، وقد جاءت هذه السمة من المصدر الذي يستمد منه القانون، هذا المصدر هو مجموعة القيم الروحية والدينية التى ترتبط بالدين، ومن هنا كان ثباتها بثبات ذلك الدين عبر القانون، تلك القيم التي لم تتغير أصولها بالرغم من تغير العلوم والصناعات، وتغير العادات والحاجات والأحوال، بل إن ارتباطها بالدين في الإسلام قد زادها قوة كما زادها ثباتًا واستقرارًا. كما يستمد القانون الأخلاقي ثباته من الإيمان بالله عز وجل، الذي يعتبر أساسا جوهريا في الأخلاق الإسلامية (22).
أما السمة الثانية فهي (الضرورة)؛ فالضرورة الأخلاقية على نحو ما يذهب إليه الدكتور دراز “ليست ضرورة وجودية بل هي ضرورة مثالية. ومع ذلك يجب ألا نخلط بينها وبين الضرورة المنطقية، فكل ما هو ضروري منطقيًا يفرض نفسه على العقل مسلمة من المسلمات، إذ ليس بوسع المرء ألا يرى ما يراه العقل جليًا، وكل ما هو ملزم أخلاقيًا يفرض نفسه على الإرادة على أنه شيء لم يكن، ولكن يجب أن يكون، وهو ينتج من حكم على قيمة لا من حكم على واقع (23).
والسمة الثالثة هي (الشمول)، بمعنى شموله جميع البشر. وهو ما يقرره قوله تعالى:{ قُلْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف:158) (24).
والسمة الرابعة هي أنه قانون عملي ممكن التحقيق، وبذلك أصبح قانونًا ذا مضمون بعكس ما وصلت إليه المذاهب المثالية في الأخلاق من قوانين اتسمت بالصورية، والخلو من أي مضمون لإمكان تنفيذها. وعلى رأس هذه القوانين قانون الواجب ” الكانطي” الذي جاء صوريا متزمتا لا يتناسب وطبيعة الإنسان القائمة على الحساسية والعقل معا (25).
أما السمة الخامسة، فهي التدرج في تنفيذه، وذلك إدراكًا وتقديرًا من المشرع لطبيعة الإنسان، وهي لفتة تربوية وضع لها القانون الأخلاقي الإسلامي حسابًا دقيقًا، فقد وضع في حسابه أن ما هو راسخ في النفس ليس من السهل إزالته أو تغييره، وإن كان ذلك ليس مستحيلًا (26).
وتأسيسا على ذلك، فإن واجبات المدارس الإسلامية تتمثل في الآتي:
- الوعي الأخلاقي: فمن شأن المعرفة التي تدرك بها الفضائل والرذائل، وتعلم بها آثارها المحمودة والمذمومة وثمراتها العاجلة والآجلة، أن تولد الحافز الذاتي على التطبيق، لاسيما إذا كان مضمون المعرفة يتعلق بما ينفع الإنسان أو يضره، كقضايا السلوك الإنساني.
ومعرفة الفضائل الأخلاقية معرفة صحيحة لا بد من أن تبرز ما فيها من جمال وكمال، ولا بد من أن تورث اليقين بفوائدها وثمراتها الطيبات وخيراتها الحسان المادية والمعنوية، والدنيوية والأخروية، وذلك يولد في النفس استحسانها، ثم الرغبة الصادقة بالتحلي بها، ومع هذه الرغبة الصادقة تكون النفس طيعة للتخلق بالخلق الكريم المنشود.
ومعرفة الرذائل والنقائص الأخلاقية معرفة صحيحة لابد أن تبرز ما فيها من نقص وقبح، ولابد أن تورث اليقين بمضارها ونتائجها السيئة، وذلك يولد في النفس استقباحها والنفور منها، ثم الرغبة الصادقة في اجتنابها، ومع هذه الرغبة الصادقة تكون النفس طيعة للكف عنها، والتخلق بالخلق الكريم المضاد لها.
ويرتبط بالوعي الأخلاقي أن ينبه المربون بهذه المدارس على بعض صور الخلل في تطبيقنا بعض القيم الأخلاقية في حياتنا العملية، فبعضنا يأخذ من الأخلاق جوانبها القريبة، وقد نفهم الأمانة على أنها الوديعة، ونرد ما استودعنا الآخرون إياه، أما أن المنصب أمانة، لا يجوز استغلاله لمأرب خاص، ولا يجوز بأعبائه الجسام فهذا شأن آخر!! ويغلب أن يكون طلب المنصب للاستغناء والاستعلاء، والبحث عن الذات لا البحث عن مصالح الأمة.
والصدق خلق معروف، ويغلب أن نصدق في القول لا في العمل، فالصدق في العمل صعب؛ لأنه إحقاق الحق وإبطال الباطل، والتزام السنن التي قامت عليها السماوات والأرض. وقد يتقاضانا هذا أن ننتخب الأصلح، ولو كان من غير قرابتنا، وأن نؤثر بالوظيفة فقيرًا ونطرح غنيًا.. وهكذا.
- الانتفاع بما لدى الأطفال من ميول وقوى فطرية في تربيتهم تربية خلقية؛ فعندهم- مثلا- ميل لمحاكاة من يتصلون بهم في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم.
- التدرج في البناء التربوي: ذلك أن العملية التربوية ليست تحويلًا مفاجئًا دفعةُ واحدة أو خلقًا تامًا مرةً واحدة. إن هذا لم يختره الله لنفسه في سنة الخلق، مع أن قدرته جل وعلا أنه إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، ولكنه تبارك وتعالى اختار لنفسه سنة الإنشاء المتدرج، ومن صفات الله تعالى أنه رب العالمين، أي مربِّ العالمين، والتربية هي: إنشاء متدرج لإبلاغ الشيء إلى مستوى كماله، فتحتم أن ننهج فيها نفس النهج: التدرج.
- ولا يمكننا أن ندعي أن المدرسة الإسلامية وحدها يمكن أن تقوم بتربية الطفل تربية أخلاقية كاملة إذ لا بُد من أن تتحمل المسؤولية معها سائر المؤسسات والوسائط الاجتماعية الأخرى مثل الأسرة ووسائل الإعلام، بل والمناخ الاجتماعي العام (27).
4- التعليم:
ينشأ الإنسان في هذا الوجود ضعيفًا لا يقوى على الانفراد بمواجهته إلا بعد زمن ليس بقصير، وإذا كانت رعاية الحيوان لأفراخه قصيرة، فرعاية الإنسان لأولاده طويلة تمتد إلى خمسة عشر عامًا، بينما الحيوان لا تمتد رعايته لأفراخه لأكثر من بضعة أسابيع أو أشهر على الأكثر، وما أحكم قوله سبحانه في الدلالة على هذه الحقيقة في قوله: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً} (النساء: 28).
ولهذا الضعف الذي صاحب ابن الإنسان من ولادته، نظمت عليه ولاية حتى يستوي شابًا قويًّا، يعتمد على نفسه، ونظم الإسلام رعاية ذلك الضعيف حتى يقوى المولود ويزول ضعفه ويستقل بنفسه، ولا شك أن ذلك يختلف باختلاف الأزمان، فكلما تعقدت أساليب الحياة، كان الضعف لا يزول إلا بكثرة الدربة على الحياة (28).
وقد وجدت على الإنسان منذ ولادته ثلاث ولايات:
أولها: ولاية التربية الأولى، وهي التربية التي تقوم على شؤونه منذ نزوله من بطن أمه، وهي الحضانة.
والولاية الثانية: هي الولاية على المال، إذا كان له مال.
والولاية الثالثة: الولاية على النفس. وللولاية على النفس عملان، أولهما: القيام على شؤون الإنسان في حال طفولته حيث يكون ضعيفًا. وثانيهما: ولاية التزويج. ويهمنا من الأولى ما يؤكده الفقه الإسلامي من أن ولاية الحفظ تتناول ثلاثة أعمال: أولها ولاية التعليم والتأديب والتهذيب؛ والثانية حفظ نفسه؛ والثالثة منعه من الاعتداء على الآخرين (29).
فمن الواضح هنا أن (التعليم) واجب شرعي؛ تنفيذًا لمهمة الولاية على النفس؛ فالفترة الأولى من حياة الطفل تستلزم رعاية جسيمة، فإذا بلغ القدرة على الإدراك والتمييز، فمن الواجب تعليمه.
وقد وردت آيات من القرآن فيها إسناد التعليم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليبين لنا أن التعليم أول مهمة أوكلها الله إلى أنبيائه، فقد ورد ذلك في دعاء إبراهيم لذريته: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (البقرة:129). ووصف الله رسوله بذلك فقال: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ﴾[ آل عمران: 164]. وقال تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 151).
وقد شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم رسالته ومهمته التعليمية، فأشهد المسلمين في حجة الوداع على أنه بلغهم؛ والتبليغ أهم مراحل التعليم وأشهد ربه على ذلك: “اللهم هل بلغت اللهم فاشهد”.
ولقد شاعت أقوال عدة على أقلام علماء المسلمين في مجال الحديث عن العلم الذي ينبغي على الأمة الإسلامية أن تعلمه أبناءها بحيث تمت التفرقة بين ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية، بيد أن سوء عرض هذه القضية في مجال التربية والتعليم جعل المسلمين يتصرفون بطيش في أمور تمس حياتهم وبقاءهم وقد تعلي رايتهم أو تنكسها (30).
والواجبات الكفائية تتطلب من الدولة أمرين ينبعان جميعًا من تكليفها ابتداء باختيار من يحمل أعباء هذه الواجبات ويستطيع أداءها:
الأول: الاطمئنان إلى أن هذه الواجبات وجدت العدد الكافي من الاختصاصيين للنهوض بها، فإذا كانت الأمة تحتاج إلى ألف معلم مثلًا ولم يتوفر إلا خمسمائة، اهتمت باستكمال العدد الذي يضمن قيام العمل التعليمي، ولا يجوز أن تتغاضى عن هذا النقصان.
الثاني: أن تتابع بوسائلها الكثيرة حسن الأداء ودقة الوفاء حتى تقوم المصلحة العامة على دعائم ثابتة.
إن الأمة العاجزة عن استخراج بركات الله من الأرض التي سخرها الله للإنسان، لن تؤدي رسالة الله؛ فالأمة العاجزة عن تجنيد مواهب المسلمين لإعزاز المسلمين أمة تلقي بأيديها إلى التهلكة (31).
إن فرض الكفاية يأخذ هذه التسمية قبل أن يختار الشخص المناسب ويتحدد الجهد المطلوب، أما بعد الاختيار والتحديد فإنه يتحول إلى فرض عين، وعلى من كلف به أن يستفرغ الوسع لإتمامه.
وتوضيحًا لذلك، يشير الغزالي إلى أن الصلاة- مثلًا- فرض عين لأن كل إنسان يستطيع الصلاة، أما التدريس- مثلًا- فهو من فروض الكفاية، إذ ليس في مقدور كل إنسان أن يكون معلمًا. فإذا رشح امرؤ كي يكون معلمًا وعين مدرسًا، فإن قيامه بأعباء وظيفته هذه أصبح فرض عين، التراخي والتفريط فيها اعتداء على الدين! (32).
والعلم الذي يشيد القرآن به ويدعو إليه، ويفترض أن تسعى المدارس الإسلامية إلى تعليمه لأبناء المسلمين هو العلم بمفهومه الشامل الذي ينتظم كل ما يتصل بالحياة، ولا يقتصر على علم الشريعة أو العلم الديني كما يتبادر إلى بعض الأذهان، أو ما ذاع في عهود التخلف عن القرآن، فقد دعا إلى النظر في ظواهر الوجود ومظاهر الحياة، كما دعا إلى دراسة الكائن البشري، فقال: {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات:20-21). (33).
5- تنمية القدرات العقلية:
القدرات العقلية تولد كامنة في الإنسان؛ وهي تنمو وتشتد بالرعاية والتربية، وتضعف وتموت بالإهمال وسوء الاستعمال، وأجواء القهر والتسلط. وهي متنوعة ومتدرجة، ولا نهاية لها؛ فقد زود الله عز وجل الإنسان بقدرات عقلية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، وأشار إلى ذلك قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31). ولهذا فإن الفشل في تربية القدرات العقلية ومنهج التفكير يفرز آثارا خطيرة جدا في حياة الفرد والمجتمعات سواء (34).
من هنا وجب على المربين مراعاة ذلك في المتعلمين، وتدريبهم على أشكال التفكير وتنوعها، ومنها (35):
1- تدريب المتعلم على النقد الذاتي، بدل النقد التبريري.
2- تدريب المتعلم على التفكير الشامل بدل التفكير الجزئي.
3- تدريب المتعلم على التفكير التجديدي بدل التفكير التقليدي. والتجديدي الذي عناه القرآن هو التفكير الذي يتحرر من عوامل الألفة والآبائية والتقليد.
4- تدريب المتعلم على التفكير العلمي بدل الظن والهوى.
5- تدريب المتعلم على التفكير الجماعي بدل التفكير الفردي.
والعقل في حاجة إلى الوحي، فهو النور الذي يساعده على أن يسير في دروب الحياة، ثابت الخطى، رابط الجأش، ذلك لأن العقل لايعيش إلا في المدركات (36).
فالعقل سيظل رشيدًا في أدائه ما دام يسعى بالعمل والإصلاح ضمن توجيهات الوحي وإرشاداته في معنى العلاقات وغاية الوجود، وما ضل المسلمون وانحرفوا إلا حين استخدموا العقل في غير موضعه وأخذوا بالظن والتخمين الباطل في أمور الإلهيات وقضايا كليات القضاء والقدر متأثرين بإطار فكري إغريقي ليس له مرشد ولا ضابط ولا موجه من معرفة الوحي القطعية الكلية (37).
6- التوجيه الاجتماعي:
المدرسة مؤسسة من المؤسسات التي أقامها المجتمع بهدف أن تكون بيئة منتقاة يتلقى فيها أبناؤه الصغار كل ما يعينهم على أن يكونوا أعضاء فاعلين في الجماعة البشرية الذين هم جزء منها، وأن يكتسبوا الكفاءة الشخصية التي تجعل منهم ذوي شخصية تتميز بالسواء والتكامل والمدرسة بهذا الاعتبار لا بد من أن تكون على درجة عالية من الحساسية الاجتماعية تتأثر بما يوجد في المجتمع من مشكلات، ووجهات نظر وتيارات، وتتطلع إلى ما يرنو إليه من آمال وطموحات.
ومن هنا فإن حسن قيام المدارس الإسلامية بدورها المنوط بها من الناحية الاجتماعية يستلزم (مناخًا) مجتمعيًّا يعينها على هذا، ولقد شاع في السنوات الأخيرة استخدام مصطلح (المجتمع المتعلم المعلم) وعلى أساس أن المجتمع عندما تزدهر ثقافته وتثرى حضارته، ويقوى إيمانه وترسخ دعائمه، ويرتفع مستوى التعليم فيه وتنمحي الأمية منه أو تخف حدتها؛ يصبح أخطر معلم على أي مستوى.
ومع وعينا الكامل بأن لكل عصر قواعده وقوانينه وظروفه مما يوجب الحرص في استخدام مصطلحات الربع الأخير من القرن العشرين تفسيرًا لأحداث وقعت في العالم العربي والإسلامي منذ قرون عديدة، إلا إننا في الوقت نفسه نشعر بقدر غير قليل من حرية الحركة عندما نكون بإزاء قاعدة تاريخية عامة ليست خاصة ببقعة دون غيرها، وليست خاصة بفترة زمنية دون غيرها، فإذا كان مصطلح المجتمع المتعلم المعلم مصطلحًا جديدًا، إلا أن جدته تنحصر في صياغته اللفظية، أما مضمونه فإنه تعبير عن قاعدة تاريخية يستطيع أن يقف عليها كل دارس للتاريخ البشري في أي زمان وفي أي مكان.
وهنا نجد في كلمات ابن خلدون تعبيرًا علميًا صريحًا دقيقًا عن ذلك فيقول: “إن رسوخ الصنائع في الأمصار، إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمدها”، فالصنائع جهد بشري يتشخص في أعمال وفنون ومنتجات لا يصل إليها الإنسان بالفطرة ولا بطريقة آلية، وإنما بخطوات قد تقصر وقد تطول حسب مقتضى الحال، يقف فيها على معلومات ومعارف وحقائق، ويتدرب فيها على مهارات وأعمال وينضح عنها وجدانه بميول وقيم واتجاهات، وهذا وذاك مما نسميه بالتربية بأشمل معانيها وأدقها وأكثرها إحاطة بما هو مراد ومأمول في عملية بناء الإنسان.
ولعل أبرز الأسس والمقومات التي قام عليها المجتمع الإسلامي هي قيامه على (العقيدة) وكان من نتائج هذا النهج أن أصبح المجتمع المسلم مجتمعًا مفتوحًا لجميع الأجناس والأقوام والألوان واللغات بلا عائق من هذه العوائق السخيفة، وإن صبت في بوتقة المجتمع الإسلامي خصائص الأجناس البشرية وكفاياتها، وانصهرت في هذه البوتقة وتمازجت وأنشأت مركبًا عضويًا فائقًا في فترة تعد نسبيًا قصيرة، وصنعت هذه الكتلة العجيبة المتجانسة المتناسقة حضارة رائعة ضخمة تحوي خلاصة الطاقات البشرية في زمانها مجتمعة، على بعد المسافات وبطء الاتصال في ذلك الزمان.
والدارس الواعي للعقيدة الإسلامية يستطيع أن يدرج بكل وضوح أن الإسلام في أصول العقيدة وفروض العبادات وأحكام المعاملات، وكل التوجيهات لسلوك الإنسان، إنما ينظر إليه من حيث هو اجتماعي بطبعه، وليست نظرته فردية متوحشة (38).
7- الإعداد البدني:
ويتضمن هذا الإعداد ما اصطلح على تسميته بالتربية الجسمية، وهي تلك العملية التي يقوم الفرد خلالها بنشاط جسماني منظم بهدف تنمية قدرات الجسم المختلفة، وزيادة كفاءته الحركية وما يرتبط بذلك من اكتساب مهارات حركية معينة، واتباع عادات صحية سليمة، وذلك للتكيف مع متطلبات الحياة في المجتمع.
إن هذا الهدف بالذات، لا بد من أن يتأكد في مختلف البرامج والأنشطة التي تقوم بها المدارس الإسلامية لضرورته الدينية الإسلامية والتربوية من جهة وكما سنبين- من جهة أخرى- لأن التربية الإسلامية إذ تعتمد العقيدة الدينية موجهًا ومنطلقًا، فقد ظن البعض أن ذلك يعني أن تغرق في (الروحانيات)، ويصبح رائدها قهر البدن، والنظر إليه على أنه مستودع الشرور؛ لأنه مستودع الشهوات والرغبات البهيمية!
وربما ساعد على شيوع هذا الوهم، أن التربية الإسلامية مع ثرائها الواضح في (النصوص) القرآنية والنبوية على أهمية وضرورة العناية بتربية الجسم، فإن (واقع) التعليم في المدارس الإسلامية في عصورها الماضية يكاد يخلو من برامج وأنشطة في هذا المجال. بل إن (المسجد) وهو المؤسسة التربوية الأولى في الإسلام والتي ظلت تنفرد بمهمة التعليم أكثر من قرنين من الزمان قبل أن تظهر المدارس، لم يكن- بحكم تكوينه ووضعه- يمثل هذا اللون من ألوان التربية.
وإذا كان هذا صحيحًا إلى حد ما، إلا أننا إذا فهمنا هذه التربية بمعناها الشامل المتكامل فسوف يتأكد لنا أنه ليس صحيحًا تمامًا، فالعناية بصحة الجسم والعادات الصحية السليمة والنظافة وما إلى ذلك، روعيت كثيرًا في التطبيق التربوي في معاهد التعليم في العصور الإسلامية.
إن صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة واعتبرها من صميم رسالته، ولن يكون الشخص راجحًا في ميزان الإسلام محترم الجانب إلا إذا تعهد جسمه بالتنظيف والتهذيب، وكان في مطعمه ومشربه وهيئته الخاصة بعيدًا عن الأدران المكدرة والأحوال المنفرة، وليست صحة البدن وطهارته صلاحًا ماديًا فقط، بل إن أثرها عميق في تزكية النفس وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة. وما أحوج أعباء الحياة إلى الجسم الجلد والبدن القوي الصبور (39).
وكفى لهذا الجسد تشريفًا في التصور الإسلامي أن خلقه الله- سبحانه وتعالى- وسواه بيده، فكما هو معروف، أن الصنعة تأخذ قدرها وقيمتها من صانعها، يقول عز من قال: {فَإِذَا فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (الحجر: 29).
ويحكي القرآن عن تسوية هذا الجسد في أكثر من آية ليعطي صورة واضحة لهذا الجسد تتناسب ووظيفة الإنسان في الحياة على هذه الأرض بين المخلوقات الأخرى التي سخرها الله له. يقول الله سبحانه وتعالى مشيرًا إلى ذلك وإلى الجهاز الحركي في الإنسان الذي يتكون من الأجهزة العظيمة والمفصلية والعصبية والتي يتم بها السعي في الحياة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12 – 14].
إن من صفات المسلم مما لابد أن تسعى المدرسة الإسلامية إلى تحقيقها أنه (القوي الأمين)، فرسول الله صلى الله علي وسلم يقول: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير» (رواه مسلم). ومن الآيات التي يمتدح فيها الله القوة البدنية: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة: 247)، ويقول: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص:26).
وإذا كانت الحواس المعروفة هي قنوات أساسية في المعرفة: تعلمًا وتعليمًا، تصبح صحتها وتدريبها وسلامتها ورعايتها شرطًا جوهريًا لإمكان التعلم والتعليم، والإسلام يوجه المدرسة كذلك إلى جانب مهم من جوانب تربية الجسم وهو الخاص بالغذاء، فلا يكاد كتاب من كتب الفقه والتشريع تخلو من حديث عن الأطعمة والأشربة، فمن الأطعمة ما حرمه الإسلام لضرره بصحة الإنسان أو بأخلاقه، ومن الأطعمة ما حث عليه لأن تركه يُضعف المسلم جسميًا أو معنويًا (40).
8- التربية الجمالية:
تعبير يقصد به الجانب التربوي الذي يرقق وجدان الفرد وشعوره، ويجعله مرهف الحس، ومدركا للذوق والجمال، فيبعث ذلك في نفسه السرور والارتياح، فيرتقي وجدانه وتتهذب انفعالاته، وكل هذا يساعد على قوة الإرادة وصدق العزيمة عنده.
ويقصد بالتربية الجمالية أيضًا: إيجاد الحس الجمالي لدى الناشئين، وتدريبهم على ترقية هذا الحس، حتى يشعر الإنسان بما يحيط به من جمال الكون وجمال الحياة الإنسانية، بل جمال الإنسان نفسه في خَلقه وخُلقه، وأقواله وأفعاله؛ لأن الإنسان الحق – المستقيم على فطرة الله- أجمل ما خلق الله، وأكرم على الله من كثير من خلقه.
وتعرف التربية الجمالية بأنها: تلك التربية التي تهدف إلى إنماء عاطفة الجمال الكامنة في النفس، وذلك يحدث عن طريق تقديرنا للجمال، وإنتاجنا لهذا الجمال – أي ابتكاره (41).
أهداف التربية الجمالية:
- تنمية الشخصية المتكاملة وترقية مشاعرها.
- تنمية حواس الفرد وذكائه.
- الإثراء الجمالي الوجداني.
- تنمية الأخلاق.
- تنمية القدرة على التذوق الجمالي واكتشاف الميول والمهارات.
- الاستمتاع والتسلية وشغل أوقات الفراغ.
- تنمية الانتماء والوحدة الاجتماعية.
- زيادة الاستمتاع الجمالي والتذوق الفني.
- القدرة على تأمل الطبيعة واستخلاص القيم الجمالية منها.
- تنمية القدرة على الإبداع (42).
9- التربية الوجدانية:
إن للوجدان منزلة كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، فهو الذي يكسب الأعمال والتجارب قوة التشويق إلى الاستنهاض إلى العمل الصالح الجاد، وهو الذي يحبب الفرد والمجتمع في الحياة ويرغب فيها بما يملأ به النفوس من عظيم الأمل، وكبير الرجاء، وهذه هي قيمة الوجدان في ذاته، وله فوق ذلك منزلة وقيمة أخرى ألا وهي أنه عامل مهم من عوامل ارتقاء الفكر ونشاطه، وإليه يرجع السر في التشويق الذي ينشط القوى الفكرية ويرشدها إلى بذل مجهودها (43).
وتعرف التربية الوجدانية، بأنها: التربية التي تسعى إلى تجنب الضمير عثرات الشك والحيرة والضلال والوسواس، وتحرص على الحفاظ على صحة الوجدان والحيلولة دون أن يصاب بالخلل والتهافت والمرض والإجرام؛ ليمسي المرء سيد نفسه، ويبدع ضروب سلوكه الأخلاقي، لا باتباع العادة والتقاليد الزائفة، ولا الأنموذج ولا العرف، وإنما بوعي ما يفعل وبمعرفة الغرض يرجوه بفعله، وبالقدرة على شرح عمله أو حكمه أمام أي إنسان ذكي حيادي.
والتربية الوجدانية هي التربية الموجهة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتغيير وجدان الإنسان المسلم تغييرا يتفق والأهداف المرتبطة بالرسالة الخاتمة، والدور الذي يقوم به المسلمون أفرادا وجماعة من حمل منهج الله إلى خلقه، وهي التربية التي تتناول أساسا العواطف والانفعالات خاصة، والتكوين الوجداني عامة، وتعني إسلاميا تربية المشاعر والأحاسيس والعواطف والانفعالات والإرادة الحرة القوية، وأثر ذلك في الشخصية الإسلامية التي هي الموضوع والحقل للتربية الإسلامية.
وللوجدان مكانة عظيمة في التربية الإسلامية؛ فهي المشاعر والأحاسيس التي ينبغي تهذيبها ليسلك الفرد بناءً عليها سلوكاً سوياً فيفعل الخير لا لأنه خير فقط، بل لأن نفسه تواقة إليه تستطيبه وتستعذبه، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِنينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128).
أهداف التربية الوجدانية:
تسعى التربية الوجدانية للطفل المنبثقة من الشريعة الإسلامية إلى تحقيق مجموعة أهداف، منها:
1- تحرير الوجدان البشري من عبادة أحد غير الله ومن الخضوع لأحد سواه، مما يحقق للإنسان العزة والكرامة في الدنيا والآخرة.
2- تربية الوازع الديني لدى الأطفال، وذلك بمخاطبة وجدانهم. ومن أهم ما يربيه الإسلام في الإنسان الضمير الذي يتكون نتيجة لتمكن المسلم من العقيدة وممارسته المستمرة لها.
3- تربية الطفل على الفضائل والمشاعر النبيلة، كالصدق والأمانة والتسامح وسلامة الصدر من الأحقاد والشعور بالأمل والتفاؤل.
4- نمو الطفل نمواً سليماً خالياً من التغييرات والمشكلات النفسانية والاضطرابات السلوكية، وسوء التكيف مع البيئة.
5- إشباع الدوافع والحاجات الوجدانية لدى الأطفال، كالحاجة إلى الحب والأمن والانتماء، عن طريق تلبية هذه الحاجات وتوفيرها.
6- ضبط الانفعالات والعواطف والمشاعر لدى الأطفال، بما يتوافق ويتلائم مع تعاليم الدين الإسلامي.
7- تنمية شخصية الطفل التنمية السليمة، لتحقيق ذاته والتي تؤدي بدورها إلى ثقته بنفسه وآرائه.
8- تحقيق التوافق الشخصي للطفل وتكيفه وتمتعه بالصحة النفسية والعقلية.
9- تهذيب وتوجيه الحاجات الوجدانية للطفل بوسطية واعتدال دون إفراط ولا تفريط (45).
وأهم مؤسسات التربية الوجدانية للطفل؛ الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام.
والمدرسة الإسلامية التي تتحمل تعليم الصغار بالتعاون مع الأسرة، عليها أن تعمل على توسيع مدارك الطفل، وجعله يحب المعرفة والتعليم، وهذا يجعل المدرسة تؤدي دورها كمؤسسة اجتماعية مهمة، لها أثرها الفاعل في تربية مختلف جوانب الطفل النفسية، والاجتماعية والأخلاقية، والسلوكي، لا سيما وأن الطفل في السنوات الأولى من عمره يكون مطبوعاً على التقليد والتطبع بالقيم التي تسود مجتمعه فحسب. فالمدرسة نسيج من العلاقات، خاصة الطفل الصغير، ففيها تتوسع الدائرة الاجتماعية للطفل بأطفال جدد وجماعات جديدة، فيتعلم الطفل من جوها المزيد من المعايير الاجتماعية في شكل منظم، كما يتعلم أدوراً اجتماعية جديدة، فهو يتعلم الحقوق والواجبات، وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجاته وحاجات الغير، والتعاون، والانضباط السلوكي، كل ذلك من خلال ما يتلقاه من علوم معرفية، وما يكتسبه من مخالطة رفاقه في المدرسة، فالمدرسة بالجملة لها أثرها الفعال في سلوك الأطفال وتوجهاتهم في المستقبل (46). والمدرسة الإسلامية أمينة على محور عواطف تلاميذها حول محور رئيسي تدور في فلكه، فيتحقق اتساقها وقوتها بمدى قربها منه ودورانها في فلكه، وهو حب الله عز وجلَّ (47).
مدى تحقيق الأهداف.. الإمكانية والواقع
المفروض- في المجتمع المسلم الذي يتحاكم إلى شريعة الله ويطبق منهج الله- أن تربي المدارس الإسلامية التلاميذ ليكونوا مسلمين صالحين، وتتمشى مع التربية الإسلامية التي بدأها الطفل في المنزل، وتسير بها خطوات جديدة نحو الاكتمال. بل المفروض- وفيها مدرسون متخصصون في التربية أن تصحح وتقوم ما عسى أن يكون البيت المسلم قد نسيه، أو لم يحسن التوجيه فيه، فليس كل الآباء موهوبين في فن التربية، وليس كلهم على المستوى المطلوب من حسن التصرف وسعة الإدراك والمرونة اللازمين لعملية التربية، أما المدرسة فتلك وظيفتها الأولى: أن تربي على منهج من التربية مدروس ومفصل ومؤصل، وللمدرسين به خبرة وعلم.
فإذا ما تساءلنا عن إمكانية تحقيق المدرسة الإسلامية لهذه الأهداف التي أسلفنا شرحها؛ فإن الإجابة الفورية هي بالإيجاب، لا اندفاعًا حماسيًا تحركه العاطفة المشبوبة، وإنما لأننا كنا بإزاء أهدافٍ مستمدةٍ من التوجيه القرآني والهدي النبوي، وإذا كان ذلك كذلك، فإن (الإمكانية) قائمة ومتوفرة، ولكن في المبادئ نفسها، أما الواقع الذي تعيشه المدارس فممتلئ بعدد من العقبات والظروف المعاكسة التي يستحيل إزاءها أن نكتفي بما تحمله المبادئ والأهداف من إمكانية التحقيق لنتصور أنها بالضرورة ستجد السبيل سهلًا ميسورًا إلى عالم التنفيذ ودنيا الواقع، ومن هذه العقبات والظروف المعاكسة:
- نظام الدولة التعليمي الذي يتضمن مراحل محددة الأهداف، والمدى الزمني اللازم لإتمام كل مرحلة، والمقررات التي تتضمنها، والامتحانات، والشهادات التي تمنح، ولابد من الالتزام بها، على الرغم مما قد يحويه هذا النظام من سلبيات وأوجه قصور تربوي، هذا فضلًا عما هو معروف من أن هذا النظام قد نشأ وترعرع في ظل الاستعمار، مما يجعله متعارضًا في بعض جوانبه مع التوجه الإسلامي الأصيل.
- إن طلاب هذه المدارس مطالبون بأن يتولوا أعمالًا سواء في مجالات الخدمة أو الإنتاج في المجتمع الذي ينتسبون إليه قانونًا مع ما هو معروف من أن نظمه القائمة قد تتغاير في بعض مظاهرها وقواعدها وأشكالها مع ما هو مطلوب إسلاميًا.
- إن الفترة التي يقضيها الطلاب في المدرسة الإسلامية يدور متوسطها في أغلب الأحوال حول ست أو سبع ساعات، وهذا يعني أن الكم الزمني الأكبر من يومهم يقضونه خاضعين لمؤثرات أخرى تأتي في مقدمتها وسائل الإعلام التي تقدم كثيرًا مما لا يتفق مع ما تقدمه هذه المدارس وتهدف إليه.
- وإن العمل في تلك المدارس يتطلب بالضرورة كوادر بشرية على قدر عال من التأهيل ذي الأبعاد الثلاثة: البعد العلمي التخصصي- البعد التربوي النفسي- البعد العلمي الديني. وهناك نقص في هذه الكوادر سواء من الناحية الكمية أو النوعية.
- ويتعرض الطلاب، وبخاصة في مرحلة المراهقة إلى عواطف نفسية قد تسبب اضطرابات في سلوكهم وقلقًا يعرقل العمل المطلوب، خاصة وهم محاطون فى المجتمع الخارجي بعديد من المظاهر وأيضًا السلوكيات التي تدعم صور الانحراف وأشكاله (48).
إن للمدارس الإسلامية دور في الحفاظ على الشخصيّة الإسلاميّة، ونشر التعاليم الإسلاميّة الصحيحة، وتخريج أجيال تشربوا الثقافة الإسلامية منذ طفولتهم، في ظل ما تعانيه مدارس التعليم العام في الدولة من ابتعاد عن الأهداف الإسلامية في التربية.
إلا أنه بمرور الأيام ضعف هذا الشعور النبيل لدى المدارس الإسلاميّة والقائمين عليها فتضاءلت الأهداف الساميّة، وفي كثير من الأحيان عاشت هذه المدارس في غياب عنها، وأخذت المطامع الدنيويّة تتسرَّبُ إلى الأغراض الإسلامية الساميّة، مصحوبةً بالانحطاط في الأخلاق والعادات والسلوكيات، ورغب أهلها في عيشة الدعة والتبطل والراحة، وانصرف بعض القائمين على المدارس الإسلاميّة إلى تأمين المستقبل الاقتصادي أكثر من تحقيق الأهداف التربوية الإسلامية.
وهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة، يتم فيها تقييم أداء المدارس الإسلامية- بعد هذه التجربة الطويلة- في ضوء الأهداف التي تنشدها هذه المدارس، وكذلك في ضوء التحديات التي تعيشها هذه المدارس في واقع يتجه إلى عولمة كلِّ شيء.
الهوامش
- أهداف التربية الإسلامية.. دراسة مقارنة بين أهداف التربية الإسلامية والأهداف التربوية المعاصرة. تأليف/ د. ماجد عرسان الكيلاني. مكتبة التراث- المدينة المنورة- الطبعة الثانية، 1408هـ/ 1988م. ص18.
- فلسفة التربية الإسلامية. د. عمر الشيباني. الدار العربي للكتاب. الجماهيرية العربية الليبية-1988. ص 282.
- أهداف التربية والتعليم في الإسلام (دراسة نقدية تأصيلية). د. أحمد محمد الدغشي. في 14/6/2020.
- أهداف التربية الإسلامية. ماجد عرسان الكيلاني. ص15.
- فلسفة التربية الإسلامية. د.عمر الشيباني. ص 283.
- المرجع نفسه. ص294.
- نفسه. ص 294.
- نفسه. ص294.
- نفسه. ص 295.
- نفسه. ص 302.
- نفسه. ص 303.
- نفسه. ص 304.
- د. سعيد إسماعيل على. أهداف المدارس الإسلامية. في 1 فبراير 1992.
- فلسفة التربية الإسلامية. د.عمر الشيباني.ص 305.
- د. سعيد إسماعيل على. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق
- المرجع السابق
- تربية الأولاد في الإسلام. عبد الله ناصح علوان. بيروت- دار السلام- 1981. ج2، ص822.
- د.سعيد إسماعيل علي. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق.
- خلق المسلم. محمد الغزالي. القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1974. ص 5.
- من أخلاق النبي . د. أحمد محمد الحوفي. القاهرة، 1994م-1414هـ. جمهورية مصر العربية- وزارة الأوقاف- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ص59.
- المرجع السابق.ص36.
- المذاهب الأخلاقية في الإسلام. د. عبد الحي محمد قابيل. دار الثقافة للنشر والتوزيع بالقاهرة- 1984. ص 110.
- المرجع السابق. ص 112.
- المرجع السابق. ص114.
- المرجع السابق. ص117.
- المرجع السابق. ص 123.
- د.سعيد إسماعيل علي. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق.
- الولاية على النفس. الإمام محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي. ص5,
- المرجع السابق. ص17-18.
- “أهداف المدارس الإسلامية. د. سعيد إسماعيل علي”. أبحاث مؤتمر المناهج التربوية والتعليمية في ظل الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة. القاهرة 29:31 يوليو 1990. المعهد العالمي للفكر الإسلامي . ص 198.
- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية. الشيخ محمد الغزالي. كتاب الأمة (1). جمادى الآخرة 1402ه. ص 29.
- المرجع السابق. ص 30 .
- المرجع السابق. ص 31 .
- أهداف التربية الإسلامية. د. ماجد الكيلاني. مرجع سابق. ص71.
- المرجع السابق. ص 62.
- الفكر الإسلامي بين العقل والوحي. عبد العال سالم مكرم. القاهرة، دار الشروق، 1982، ص 17.
- المرجع السابق، ص 27.
- د. سعيد إسماعيل على. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق
- خلق المسلم. محمد الغزالي. 147.
- د. سعيد إسماعيل على. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق. والطب الوقائي في الإسلام.أحمد شوقي الفنجري. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1991. ص 42.
- التربية الجمالية ودورها في تنمية الشخصية الإبداعية. د. عبير عبد الله شعبان. المجلة العلمية لكلية التربية النوعية- العدد السادس – أبريل 2016 – جزء أول/ ص27.
- المرجع السابق.
- التربية الوجدانية للطفل في الإسلام. أيسر مقبل محمد. وزارة التربية العراقية، مديرية تربية بغداد، الكرخ الثالثة، المؤتمر الأول، قسم الإعداد والتدريب، شعبة البحوث والدراسات. Journal Port Research . العدد 2، رقم 2. ص 250.
- المرجع السابق. ص 241.
- المرجع السابق. ص253.
- المرجع السابق. ص254.
- د. سعيد إسماعيل على. أهداف المدارس الإسلامية. مرجع سابق.
- المرجع السابق.