متزوجة من عامين، ولي أخت مطلقة، عانينا كثيرا أثناء طلاقها بسبب نظرة المجتمع وتدخل الكل في حياتها، وكانت أيامًا مؤلمة جدًا على أسرتي كلها.. ولم أكن تزوجت وقتها، وقررت مهما يحدث في حياتي لن أصل للطلاق، ولكن للأسف أنا غير سعيدة تمامًا، فزوجي عصبي جدًا ويحرجني بصوته العالي أمام الناس وأخاف جدًا من صوته العالي ولا أشعر معه بالأمان؛ لأنه يتصيد الفرص لإحراجي أمام أهلي وأنا لا أفعل معه إلا الخير، وحاولت التكلم معه لكن لا يتغير.. أصبحت أشعر بالإحراج منه، وأحتقره في نفسي ولا أشعر معه بنفس الوضع الذي كنت عليه في منزل أبي، وأصبحت أشعر أني أقل من أصدقائي بعد ما كنت في أفضل وضع.. الآن أنا دائمًا شاردة وتركيزي ضعيف وحزينة ولا أستطيع الخروج من هذا الإحساس بالرغم من أني أواظب على الصلاة وأمارس الرياضة وأخرج للعمل.
ماذا أفعل وكيف أتقبل حياتي ولا أحزن عندما يتحدث أصدقائي عن أزواجهن وأشعر أني أقل منهن؟
الإجابة:
السائلة الكريمة..
تأثرك بتجربة طلاق أختك يجعلك تحكمين على تجربتك في الزواج بشكل مبكر؛ فسنتين في عُمر إعمار البيوت لا شيء! فالبيوت تُبنى بالصبر وعلى الصبر.
تحديدًا العصبية من الأمور التي تظهر على شريك الحياة بشكل مبكر، فالشخص العصبي، يصعب أن يتحكم في مشاعره معظم الوقت، فغالبا تُكتَشف مُشكلة العصبية في فترة الخطوبة.
فهل غضضنا الطرف عنها من أجل حلم عش الزوجية؟! وحينما بدأت الحياة الحقيقية بمشكلاتها، اخترنا عدم التحمل والصبر على التغيير؟
يؤكد علماء النفس بأن التأكيد على المعاني الإيجابية يُولّد أفكارًا إيجابية، والعكس بالعكس؛ فمخاوفك من تكرار تجربة أختك ربما أنتج مسارًا شبيها لما حدث لأختك- عافاك الله منه-، ولا يزال الإصلاح في الإمكان.
والتركيز على الخوف من فشل الزواج معنى غير إيجابي، وبالتالي ينتج نتائج سلبية في النهاية، والأفضل أن نركّز على مُقوّمات البيت السّعيد وما شابه ذلك.
كثيرٌ من الأشخاص العصبيين طيبون بالأساس ولكن لا يجدون مَن يفهمهم.
حاولي بذل المزيد عن فهم زوجك، كفهم ما يُغضبه وتجنّبه إذا كان يُمكنك تجنبه، كالجدال والحديث في أمور تزعجه وهو قادم لتوه من العمل وغيرها من الأمور التي تغضب الرجال كثيرًا.
تجنبي القرب منه والالتحام الكلامي معه أثناء العصبية، وافعلي فعل هدهد سليمان: “فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ”، أي لا تكوني قريبة منه في لحظات عصبيته فينالك منه سوء، ولا تكوني بعيدة كثيرًا فيصله منك عدم اهتمام فيزيد من عصبيته.
دعك من مقارنة حالك بأصدقائك، فالبيوت مقفولة على أسرار لا يعلمها إلا الله، فلعل من تبدو عليها السعادة تعيش مأساة أكبر من مأساتك.
فالشيطان يريد أن يحزننا بالمقارنة وغيرها، فلا تستسلمي لها، واحمدي الله على الطيب من العيش واسأليه سبحانه أن يريك من زوجك ما تقر به عينك: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، والزمي الدعاء في كل صلاة وسترين العجب.
كما أقترح عليك الاطلاع على نظريات تحليل الشخصيات، مثل نظرية الإنياجرام (علم التعريف بالشخصية)، أو الالتحاق بدورات تحليل الشخصيات؛ فدراسة هذه الأمور وإطلاع زوجك عليها يساعد في معرفة نقاط القوة في الشخصية وتقويتها، وكذلك يفتح العين على مواطن الضعف في الشخصية والصفات السلبية للعمل على معالجتها.
لا تتوقفي عن القراءة والسماع والتعلم عن كل ما يُهذّب النفس ويصلحها وأشركي زوجك في الاستماع أو تعمدي تشغيل هذه الفيديوهات بجواره دون توجيهه للاستماع بشكل مباشر؛ ولا تستائي إذا لم يكترث فسيأتي وقت يفكر فيما سمع، ويتأثر به، تخيري بذكاء الشيء الذي يلمس عنده احتياج كفنّ إدارة الغضب، وغيره مما يحتاج إلى تطوير ذاته، وربما تكون هذه بداية لبحثه شخصيًّا وفهمه أكثر عن نفسه!
أكثر الأشخاص العصبيين يتأثرون بمثيرات بيئية محيطة، كدرجة الحرارة وألوان الأثاث ودهان الحوائط، وترتيب البيت من عدمه، والجوع والعطش، فتأكدي من تهيئة المنزل بأن يكون مكانًا للهدوء والاسترخاء، وقديمًا قالت أمامة بنت الحارث- أعرابية تنصح ابنتها- حين إقبالها على الزواج:
«أيْ بُنيَّةُ إنَّ الوصيَّة لو تُرِكت لِفَضل أدبٍ تُرِكتْ لذلك منكِ، ولكنَّها تذكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل، ولو أنَّ امرأةً استغنت عن الزوج لغِنى أبويها وشدَّة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناسِ عنه، ولكنَّ النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهنَّ خُلِق الرجال، أيْ بُنَيَّةُ إنكِ فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجتِ، وخلَّفتِ العُشَّ الذي فيه درَجتِ، إلى وَكْرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبَحَ بملكه عليكِ رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكنْ لكِ عبدًا وشيكًا، يا بُنَيَّةُ احْمِلي عنِّي عشرَ خِصالٍ يَكُنَّ لكِ ذخْرًا وذِكرًا: الصحبةَ بالقناعة، والمعاشرةَ بِحُسن السمع والطاعة، والتعهُّدَ لموقع عينيه، والتفقُّدَ لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منكِ على قبيحٍ، ولا يشُمَّ منكِ إلَّا أطيبَ ريحٍ، والكحلُ أحسن الحُسن، والماء أطيب الطيب المفقود، والتعهُّدَ لوقت طعامه، والهدوءَ عنه حين منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبةٌ، وتنغيص النوم مبغضةٌ، والاحتفاظَ ببيته وماله، والإرعاءَ على نفسه وحَشَمه وعياله، فإنَّ الاحتفاظ بالمال حُسْنُ التقدير، والإرعاءَ (الإبقاء) على العيال والحَشَم حسنُ التدبير، ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنكِ إن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيتِ أَمْرَه أَوْغَرْتِ صدرَه، ثمَّ اتَّقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا، والاكتئابَ عنده إن كان فَرِحًا، فإنَّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا، يكنْ أشدَّ ما يكون لكِ إكرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقةً أطولَ ما تكونين له مرافقةً، واعلمي أنكِ لا تَصِلِين إلى ما تُحبِّين حتى تُؤْثِرِي رِضاه على رِضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ وكرِهتِ واللهُ يَخِير لك…».
لعلك تقولين كل هذا عليّ، فماذا يصنع هو لبناء البيت؟
كل خطوة تعاملين بها زوجك طلبا للمثوبة والأجر سيجعل الله بها قرار عينك وتحسن أحوالك، وكل لبنة تضعيها في بناء بيت سعيد ستثبت أركانه وتنالين منها خيرًا وصلاحًا، فالزواج جهاد المرأة، ونجاحه يقع على عاتق الزوجين، لكن على المرأة دور كبير.
فحينما ذهبت صحابية تسأل الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الحديث المروي عن جابر بن عبد الله: “بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْك، يَا رَسُولَ اللَّهِ: رَبُّ الرِّجَالِ وَرَبُّ النِّسَاءِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَآدَمُ أَبُو الرِّجَالِ وَأَبُو النِّسَاءِ، وَحَوَّاء أُمُّ الرِّجَالِ وَأُمُّ النِّسَاءِ، وَبَعَثَكَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَالرِّجَالُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلُوا فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِذَا خَرَجُوا فَلَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَنَحْنُ نَخْدُمُهُمْ وَنحْبِسُ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِمْ، فَمَاذَا لَنَا مِنَ الْأَجْرِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ”.
وقليل منكن من تفعله، فكوني من القليل تحوزين رضا الله كثيرًا.
السائلة الكريمة قد يكون سؤال (أين هو من إصلاح نفسه وإعمار بيته) ما زال يتردد داخلك؟!
نقول: أما وإنك السائلة فخطابنا لك، وليس معناه ألا دور عليه.
فكم خاطب الشّرع الرجال أن يتقوا الله في النساء فهن أسيرات عندهم.
وأسمى الشرع النساء بالقوارير فقال- صلى الله عليه وسلم- مخاطبا الرجال: “رفقا بالقوارير”، فنعم الزوج عليه دور كبير- أيضًا- وما يزعجك من علو صوته وإحراجك أمام أهلك لك كل الحق في أن تغضبي من فعله ولو أنه استمع لوصف الحبيب المصطفى النساء بالقوارير لأدرك كم يهدم وكم يخسر! لكنا نقول أدوا ما عليكم واسألوا الله الذي لكم، يصلح الله أحوالكم، ويهدي بالكم.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.