المؤلف: الدكتور لطفي بركات أحمد
الناشر: دار المريخ- الرياض -المملكة العربية السعودية -الطبعة الأولى – 1402/1982.
يحاول الكاتب أن يؤسس للفكر التربوي الإسلامي، ويجلي وجهة نظره، وقدرته على تفسير الظواهر التربوية، والعلاقات الإنسانية، وتتبع نتائجها، والتنبؤ على أساسها. كما أن هذا الفكر يروم المحافظة على تراثنا الروحي، ويدعم أهداف المجتمعات الإسلامية، ويستوعب روح العصر، ومطالبه في القدرة على التغيير والتجديد والابتكار والنمو والتقدم.
ينطلق المؤلف في بسط هذه القضايا من وجهة نظره، ومن وجهة نظر بعض المربين من رواد المسلمين الأوائل.
ومن أهم ما يميز الكتاب التأصيل للفكر التربوي الإسلامي وبسط وجهة نظره من خلال مقارنته بما يطرحه المنظور التربوي الغربي، في القضايا التربوية التي يعالجها الكتاب. في أسلوب علمي دقيق، دون تكلف في التحليل، والنقد واستخلاص النتائج.
يتكون هذا الكتاب من ستة فصول؛ يحلل الأول منها رؤى هذا الفكر إزاء طبيعة الوجود والطبيعة الإنسانية والمعرفة والقيم والتطبيقات التربوية المستفادة، وصولًا إلى تحديد خصائصه العامة والمسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقه في تطوير الواقع والنهوض به. ويحدد الفصل الثاني المفاهيم الأساسية للتربية الإسلامية، والأصول الفلسفية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تركز عليها، ومغزاها التربوي من مطالب العصر، كما يبرر الفصل الثالث مرئيات الإمام الغزالي لهذا الفكر، ومدى إمكانية تطبيقه في واقعنا التعليمي، ويوضح الفصل الرابع الإطار القيمي لهذا الفكر التربوي من منظور ابن تيمية في ضوء تحليله للنظرية الميتافيزيقية للقيم من ناحية، وللنظرية الوضعية للقيم من ناحية أخرى، وإبراز المضامين التربوية المستفادة. كما يناقش الفصل الخامس مرئيات حاجي خليفة لأصول هذا الفكر. وتنتهي هذه المحاولة بالفصل السادس الذي يستنبط المغزى التربوي المستفاد من الفكر الاجتماعي لابن خلدون.
الفصل الأول: مرئيات في الفكر التربوي الإسلامي
يحاول هذا الفصل إلقاء بعض الضوء على أصول الفكر التربوي الإسلامي، وذلك من خلال التعرف على موقفه من مشكلات الوجود والطبيعة الإنسانية والمعرفة والقيم، مع تحديد موقفه من التيارات الفكرية الأخرى، وإبراز المضامين التربوية المستفادة من ذلك في واقعنا التعليمي، وصولًا إلى الخصائص العامة المميزة له.
أولًا: موقف الفكر التربوي الإسلامي من طبيعة الوجود
أ- موقف الفكر التربوي المثالي من الوجود: ظهر هذا الاتجاه المثالي منذ الماضي البعيد عند أفلاطون، حيث قسّم الوجود إلى عالمين: عالم الفكر أو المثل، وعالم الواقع أو الجزئيات الذي هو أقل مرتبة من عالم المثل الذي يتميز بأنه ثابت وعام ومطلق، على عكس عالم الجزئيات.
ب- ومن التضمينات التربوية للاتجاه المثالي: ضرورة قصر التعليم على الصفوة والقادرين، حيث إن أكثر الثقافة عمومية هي عين البدائية. وضرورة السعي إلى تحقيق ذاتية الفرد ودعم ماهيته. وأن عملية التعليم ليست عملية عقلية بقدر ما هي عملية انفعالية سيكولوجية. وأنه يجب الاهتمام بالعلوم الإنسانية؛ إذ إنها تكشف للتلاميذ عن أدق العقول بالبشرية إزاء مشكلات الحياة المتجددة. وضرورة التخصص المهني للتكيف مع الواقع المادي، دونما محاولة لصرف الفرد عن الدراسة العميقة الموسعة في العلوم الإنسانية، دعما لعقله ومشاعره، ووقاية لهم من الضمور.
ت- موقف الفكر التربوي المادي من الوجود: الوجود ليس سوى ماديات مركبة، والفكر ليس سوى نتاج المادة، والوجود الذي يسبق التاريخ الإنساني لا وجود له، وأن كل ما في الوجود يضم عناصر متناقضة ومتصارعة، وفي هذا التناقض تكمن الحياة.
ومن التضمينات التربوية للاتجاه المادي: العمل على استئصال الثقافات المغرضة، ودعم الثقافة المادية، وتضمينها المناهج الدراسية، وتأصيل المفاهيم الثقافية المتسقة مع هذا الفكر في الناشئة كالمفاهيم المتعلقة بالإصلاح الإيديولوجي، والعقلية البرجوازية، والإمبريالية، والغزو الثقافي.
موقف الفكر التربوي الإسلامي من كلا الاتجاهين: المادي والمثالي
يمكننا أن نقرر أن فكرنا التربوي الإسلامي يعترف بكل من الفكر والمادة كحقيقتين رئيسيتين في تكوين هذا الوجود الذي نعيش فيه، والعلاقة بين الفكر والمادة في الوجود علاقة متوازنة ومتوازية في نسق دينامي تفاعلي مترابط.
ثانيًا: موقف الفكر التربوي الإسلامي من الطبيعة الإنسانية
طالما أن فكرنا التربوي الإسلامي يسلم بالمادة والفكر كحقيقتين متلازمتين، فإن ذلك ينسحب على موقفه من الطبيعة الإنسانية؛ فهي ذات طبيعة مزدوجة من المادة والروح لديها الاستعداد ونقيضه، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سلالةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِۦ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ قليلًا مَّا تَشۡكُرُونَ﴾ [السجدة 7-9].
وفي هذه الحدود يبرز المفهوم الاجتماعي للطبيعة الإنسانية في إطار فكرنا التربوي الإسلامي؛ فالفرد يعبر عن نشاطه وحركته عن طريق أنواع الاتصال مع الآخرين. وهذا الاتصال والتفاعل الاجتماعي يتميز بالديمومة، وأن نشاط الإنسان في بيئته وعمله هو الذي يكشف عما لديه من قدرات واستعدادات ومهارات. أما التفسير التربوي لموقف فكرنا التربوي الإسلامي إزاء تصوره للطبيعة الإنسانية، فإنه يتضمن العناصر الآتية: النظرة الشمولية للعمل التربوي، والسعي إلى تعليم الأفراد كل الأفراد، وضرورة الاهتمام بالكيف في التعليم، وضرورة تنمية رأي عام تربوي.
ثالثًا: موقف الفكر التربوي الإسلامي من المعرفة
يمكننا أن نقرر أن الاتجاهات الفكرية على كثرتها يمكن ردّها إلى اتجاهين رئيسين: 1- الاتجاه المثالي 2- الاتجاه الواقعي. ويرى أصحاب الاتجاه الأول أن المعرفة الإنسانية تقوم على علاقة تبادلية بين عنصرين لا ينفصلان، هما الذات العارفة والشيء المعروف. أما أصحاب الاتجاه الثاني في المعرفة، فإنهم يرون أن لا شيء في العقل إلا إذا مرّ بالحس أولًا، وهذا ما أكده أرسطو.
أما موقف الفكر التربوي الإسلامي من هذين التيارين، فيمكن أن نقرر أنه يعترف بوجود العقل والحواس معا كوسيلتين متعاونتين في الكشف عن طبيعة المعرفة الإنسانية ومكوناتها، فهو يرى أن المعرفة تتألف من نشاطين رئيسين، أحدهما يتمثل في الآثار الوافدة من العالم الخارجي إلى العقل، وثانيهما يتمثل في فاعلية العقل ودوره في تحويل هذه الآثار الحسية إلى معاني ومفاهيم وقوانين عقلية عامة. والمرحلتان الحسية والعقلية ملتحمتان تمامًا في عملية المعرفة، وتكوّن وحدة عضوية.
وتأسيسًا على هذا يمكن إبراز المضامين التربوية المستفادة من موقف فكرنا التربوي الإسلامي من طبيعة المعرفة وحدودها وإمكاناتها، وذلك على النحو التالي: القدرة على التمييز ومواجهة المشكلات، والقدرة على إدراك الكليات، والقدرة على المشاركة في إحداث التغيير المستهدف، والقدرة على ربط الفكر بالممارسة.
رابعًا: موقف الفكر التربوي الإسلامي من القيم
القيم: هي مجموعة القوانين والمقاييس التي تنبثق من جماعة ما، وتتخذها معايير للحكم على الأعمال والأفعال والتصرفات، وتكون لها القدرة والتأثير على الجماعة، بحيث يصبح لها صفة الإلزام والضرورة والعمومية، وأي خروج عليها أو انحراف عن اتجاهاتها يصبح خروجًا عن مبادئ الجماعة وأهدافها، ومثلها العليا.
وثمة اتجاهات فكرية متباينة إزاء موضوع القيم وما يتصل بها؛ فهناك اتجاه يرى أن القيم موضوعية ومطلقة، ويمثل هذا الاتجاه قديما أفلاطون. وهناك من يرى القيم نسبية متغيرة بتغير المجتمع وما يطرأ عليه من تعديل في الاتجاهات والعادات وأنماط السلوك.
أما موقف الفكر التربوي الإسلامي من القيم، فهو نظرة تكاملية، إذ يأخذ بالقيم المستخلصة من الشريعة الإسلامية السمحاء.
ومن أهم الخصائص المميزة للفكر التربوي الإسلامي: العمق، والتأمل الواعي، والعمومية والشمول، والواقعية والمثالية، والتسامح والحرية، والتأثير الاجتماعي، والتطابق بين النظر والتطبيق، وإحداث التوافق بين الفرد والجماعة، وتوفير الصحة النفسية والثقافية، وتشكيل المبادئ والأنظمة، وأنه ذو طبيعة توجيهية وليست تفصيلية، وأنه ذو طبيعة مستمرة ومتطورة، وأنه تعبير عن الواقع الاجتماعي.
ومحصلة ذلك كله أن الفكر التربوي الإسلامي هو أداة صنع الحياة، وصناعة الواقع الاجتماعي الذي نستهدفه. وتتركز أهم مسؤوليات فكرنا التربوي الإسلامي في: التغيير التقدمي الشامل، والعمل المنتج النافع اجتماعيًا، وروح التعبئة ضد التخلف، وتحقيق العدل الثقافي، ودعم المعرفة العملية الاقتصادية.
الفصل الثاني: مفاهيم التربوية الإسلامية وأصولها
أولًا: المعنى الأول الأعم للتربية الإسلامية
التربية هي الجهود التي يبذلها الإنسان قصدًا، لإحداث تغييرات مرغوب فيها في البيئة المادية والاجتماعية.
والمسؤول عن التربية الإسلامية بهذا المعنى الأعم جميع الأفراد والهيئات والتنظيمات وجميع أجهزة الدولة.
ثانيًا: المعنى الثاني العام للتربية الإسلامية
التربية الإسلامية هي الجهود التي يبذلها الإنسان قصدًا، لإحداث تغييرات مرغوب فيها في الحيوان والإنسان. وهذ التعريف وإن كان لا يحظى هو الآخر بموافقة الجميع إلا أنه يلقى تأييدًا أكثر مما يلقى الأول.
ثالثًا: المعنى الثالث الخاص للتربية الإسلامية
التربية الإسلامية هي الجهود المقصودة التي تبذل، لإحداث تغييرات مرغوب فيها في الإنسان. وتشمل التربية بهذا التعريف أنواع التربية الثلاثة التي أطلقنا عليها:1- تربية البيئة 2- التربية غير الرسمية 3- التربية الرسمية.
والمسؤول عن هذا النوع من التربية الذي يتضمنه هذا التعريف جميع أجهزة الدولة المتصلة الاتصال المباشر بالإنسان، وليس وزارة التربية والتعليم والمعلمين فقط، وإنما المنزل مسؤول والمسجد والنادي والصحف والمجلات والإذاعة، وما إلى ذلك من المؤسسات الاجتماعية.
رابعًا: المعنى الرابع الأخص للتربية الإسلامية
التربية الإسلامية هي الجهود التي تبذل قصدًا؛ لإحداث متغيرات مرغوب فيها في التلميذ والطالب. والتربية بهذا المعنى الأخص هي ما توضع له المناهج الدراسية، وتؤلف له الكتب، وتعد له المدارس والمدرسين، وتخصص له أوقات معينة من اليوم. والمسؤول عن التربية بهذا المعنى وزارة التربية والتعليم والمعلمون بالمدارس.
ويوضح الكاتب الملاحظات التالية على التعاريف الأربعة السابقة للتربية الإسلامية:
أولًا: أن هذه التعاريف قائمة على أساس من نربي أو ما نربي، ومن المسؤول عن تلك التربية.
ثانيًا: أنه كلما اتسعت دائرة التربية اتسعت معها دائرة المسؤولية والعكس بالعكس.
ثالثًا: أن هذه التعاريف الأربعة وغيرها مستعملة، وكل منها يستعمل في موقف خاص.
هناك معاني أخرى للتربية الإسلامية تنتهي بنا إلى ثلاثة معان أخرى للتربية؛ أولًا: هي جهد يبذله المعلم، ثانيًا: هي جهد يبذله المتعلم نفسه، ثالثًا: ما يظهر في المتعلم من المهارة والقدرة، ناتجة عن جهد المعلم وجهد المتعلم.
التربية الإسلامية كعلم من العلوم
أصبحت التربية الإسلامية علمًا من العلوم، يضم القوانين والقواعد والمعلومات والمعارف التي تتعلق بتاريخه وتطور أفكاره وفلسفته، والتي توضح المناهج الدراسية وطرق تدريس المواد المختلفة، وما إلى ذلك مما يدرسه الطلاب.
أصول التربية الإسلامية
أولًا: الأصول الفلسفية للتربية الإسلامية: فالتربية الإسلامية في حاجة إلى معرفة طبيعة الإنسان الذي تتصدى لتربيته، هل هي طبيعة خيّرة أو شريرة.
ثانيًا: الأصول النفسية للتربية الإسلامية: كون الإنسان ابن للبيئة أو للوراثة أو ابنهما معًا، وما يترتب على ذلك.
ثالثًا: الأصول الاجتماعية للتربية الإسلامية: يشترك كل من علم الاجتماع والتربية الإسلامية في موضوع الثقافة؛ كل يتناوله من زاوية معينة، فعلم الاجتماع يتناول الثقافة بالتحليل والدراسة. والتربية الإسلامية تتناول هذه الثقافة من زاوية أخرى وهي أنها تعمل على نقلها من جيل إلى جيل.
رابعًا: الأصول الاقتصادية للتربية الإسلامية: فالتربية تكتسب مفهوما اقتصاديًا نتيجة ما تخلفه في الفرد من صفات ومهارات وخبرات، وهناك علاقة وثيقة بين تربية الفرد والعمل الذي يلحق به، والمورد البشري يعتبر قوى رئيسية وراء التنمية الاقتصادية.
الفصل الثالث: الفكر التربوي عند حاجي خليفة
هو مصطفى بن عبد الله، الشهير: بـ”حاجي خليفة”، تركي الجنسية، من أكابر أصحاب الموسوعات، ومن أشهر ما كتبه: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. ولد بالآستانة، 1017هـ الموافق 1609م، وتوفي عام 1657م.
أصول الفكر التربوي عند حاجي خليفة
أولًا: أغراض التعليم
أ- تهذيب الأخلاق وتنميتها نحو الأفضل.
ب- تحقيق النفع الدنيوي للمتعلم.
ت- تحقيق النفع الديني للمتعلم.
ث- طلب العلم لذاته.
ثانيًا: صورة المنهج الدراسي ومحتواه:
يرتب حاجي خليفة محتوى المنهج حسب مراتب العلوم في التعليم، وأهميتها ونفعها للمتعلم؛ فهو يقدم المباحث اللفظية على المباحث المعنوية؛ كما يقدم الأدب على المنطق.
ثالثًا: طرق التعليم والتعلم
أ- طريقة التلقين.
ب- طريقة المناظرة.
ت- طريقة الرحلات.
رابعًا: سمات المعلم المسلم وخصائصه
أ- الإفادة أفضل من العبادة.
ب- عدم المطالبة على إفادته أجرًا.
ت- معاملة المتعلمين بشفقة وحنو.
ث- البدء باهتمامات المتعلمين وميولهم وأمانيهم ومشكلاتهم.
ج- اتساق فكر المعلم مع عمله.
ح- الحلم والاتزان.
خ- مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين.
خامسًا: الشروط الواجب توافرها في طلاب العلم
أ- أن يكون شابًا، شغوفا بالعلم، صدوقًا، غير مقبل على الدنيا، يعرف حدود الحلال والحرام ويقف عندها، ولا يكون أكولًا شرهًا، ولا متهتكًا، ولا كانزًا للمال إلا بقدر الحاجة.
ب- أن يكون طاهرًا نقيًا مقبلًا على الصفات الروحية.
ت- ينبغي أن يعلم الجاهل، ويوقظ الغافل، ويرشد الغاوي
ث- ينبغي أن يكون نشطًا يقظًا ساهرًا الليالي في طلب العلم.
ج- ينبغي أن يطلب العلم مدى الحياة دون الوقوف عند حد معين.
ح- ينبغي أن يقصد من تعلمه تجميل روحه بالفضيلة، وأن يثابر على تحصيل العلم، ويحترم معلمه ويقدره.
خ- ينبغي انتقاء معلم ذكي أمين ناصح ليقدم له العون.
سادسًا: مكانة العلم وفضله في الحياة
أبرز حاجي خليفة في مقدمة موسوعته آيات بينات وأقوال رسول الإسلام للاستشهاد على مكانة العلم وفضله في الحياة الدنيا والآخرة.
تصنيف حاجي خليفة للعلوم حسب شرفها:
أ- بحسب الموضوع: فالتفسير موضوعه كلام الله، والطب موضوعه البدن.
ب- بحسب الغاية: فالأخلاق غايتها معرفة الفضائل الإنسانية.
ت- بحسب الحاجة: كالفقه، فإن الحاجة إليه ماسة.
ث- بحسب وثاقة الحجة: كالعلوم الرياضية فإنها برهانية.
ويؤكد أن أشرف العلوم على الإطلاق هو ثمرة العلم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وما يعين عليه، فإن ثمرته السعادة الأبدية. ويعدد حاجي خليفة منافع العلم في الدين والدنيا؛ كخشية الله والإيمان بقدراته، وراحة النفس من كل قلق واضطراب وحزن وانكسار… إلخ. كما يؤكد على أن التخلي عن الأخذ بالعلم يؤدي بصاحبه إلى مضار دينية ومضار دنيوية. كما يؤكد أن للعلم حدودًا لا يجب تجاوزها؛ فالعلم محدود: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
الفصل الرابع: القيم الخلقية عند ابن تيمية
يبين ابن تيمية (661هـ – 728ه) موقفه من النظرية الأخلاقية عند الميتافيزيقيين، وموقفه من وضعية الأخلاق.
أولًا: موقفه من النظرية الأخلاقية عند الميتافيزيقيين:
1- يرى ابن تيمية أن “الاتجاهات الميتافيزيقية” عجزت عن تحقيق السعادة في الحياة الدنيوية والأخروية.
2- رفض دعواهم برد الحكم على الفعل الخلقي إلى قوى ميتافيزيقية؛ لأن الحكم العقلي ينبغي أن يرد، وأن يرتكز على قواعد التحليل والتحريم في الشرع.
3- ورفض دعواهم بأن الإنسان هو قانون نفسه، ونادى أن ينبوع عنصر الالتزام والتكليف ليس هو الإنسان، بل الشرع.
4- يرى ابن تيمية أن هذه الاتجاهات الميتافيزيقية تجاهلت إثبات خاصية النفس، وهي محبة الله وتوحيده.
5- يرد ابن تيمية قصور هذه الاتجاهات إلى افتقارها إلى الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا أساس هداية النفس.
6- إن دعاوى هذه الاتجاهات تكاد تخلو من الأعمال والممارسات التي تؤدي إلى سعادة النفس البشرية ونجاتها من العذاب.
7- إخفاق هذه الاتجاهات في وضع حد فاصل بين ما تحصل به النجاة والسعادة، وما يسبب الشقاء والعذاب.
ثانيًا: موقف ابن تيمية من وضعية الأخلاق
1- يرفض ابن تيمية موقف أصحاب هذا الاتجاه من حيث رد القيم إلى المجتمع، ويقرر أن مصدرها هو الله تعالى.
2- يرفض دعواهم بأن السعادة في تحقيق التوافق يكون بين الوجدانات الدافعة والوجدانات المتحققة، ويقرر أن السعادة هي عبادة الله وحده.
3- يرفض دعواهم بأن دوافع الأخلاق وثيقة الارتباط بالإحساس باللذة والنفور من الألم؛ لأنه يعتبر أن دوافع الأخلاق الحقيقية هي محبة الله تعالى.
4- يرفض دعواهم أن سبيل الحب الخالص هو تنقية النفس من الأنانية والفردية، ويعتبر أن هذه التنقية قاصرة؛ لأن سبيلها الحقيقي هو محبة الله تعالى.
5- يستهجن دعوى أصحاب هذا الاتجاه في أن مصدر الثواب والعقاب هو المجتمع، ويرد مصدره إلى الله تعالى.
6- يشجب دعاوى أصحاب هذا الاتجاه؛ لأن دوافع الأخلاق يجب أن تنبثق من عبودية الله سبحانه وتعالى واتبع أوامره واجتناب نواهيه.
7- يوافق ابن تيمية على دعوى أصحاب هذا الاتجاه بأن النية والقصد لهما فاعليتهما المؤثرة في توجيه السلوك.
وعلى المؤسسات التعليمية أن تستفيد من هذه المواقف الأخلاقية في واقعها التعليمي، من حيث البناء القيمي لشخصية التلميذ.
الفصل الخامس: الفكر التربوي عند الغزالي
أولًا: أهم أهداف التربية عند الغزالي
1- القرب من الله تعالى دون التطلع إلى الدنيا الزائلة، ودون المنافسة التي تؤدي إلى الكراهية والبغضاء.
2- طلب العلم كغاية ووسيلة.
3- القيم هي الأساس في بناء الإنسان الأخلاقي.
4- التعليم أشرف المهن.
ثانيًا: أساليب التنشئة التربوية على أسس إسلامية
ويتناول الاهتمام بالجانب الخُلقي لدى الطفل، وطريقة المعاتبة، وتأصيل حب العمل الجماعي فيه، وتشجيعه على الصدق وإخلاص العمل لله تعالى، وأن تنمي فيه التواضع والرفعة، واحترام الآداب العامة.
ثالثًا: المسؤوليات التربوية للمعلم والتلميذ
– المسؤوليات التربوية للمعلم: تشمل؛ الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، من الشفقة على التلاميذ، والتقرب إلى الله بما يعلمه لهم. كذلك أن يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ، وأن تطابق أفعاله أقواله، وأن يزجر تلاميذه عند التأديب بالإشارة دون العبارة، وألا يقبح علوم غيره من المعلمين.
– المسؤوليات التربوية للتلاميذ: تشمل؛ عدم التعالي على المعلم، والتعاون على البر والتقوى، وأن يحب القراءة والاطلاع في مختلف العلوم النافعة، وأن يتجنب الجدال الخلافي بين المذاهب الفكرية في أول حياته العلمية، وأن يكون صبورًا إذا عاقبه المعلم على ذنب ارتكبه، وأن يطيع والديه ومعلمه ومؤدبه، وأن يترك الترف، وألا يُتساهل معه في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان.
رابعًا: مكونات النفس البشرية ودوافعها
اهتم الإمام الغزالي بدراسة النفس البشرية في كلياتها، واعتبر السلوك الإنساني هو المرآة التي تعكس بصدق ماهية النفس البشرية في كلياتها، وما يعتريها من انفعالات وعواطف وميول واستعدادات وقدرات عامة وخاصة؛ وأنه انعكاس صادق لشخصية الفرد وملامحها المميزة. واستخدم بعض الطرق في الكشف عن مقومات الظاهرة النفسية، وهي: طريقة التأمل الباطني، وطريقة الملاحظة، وطريقة التحليل النفسي.
الفصل السادس: المغزى التربوي في فكر ابن خلدون الاجتماعي
يحاول هذا الفصل أن يبرز بعض المبادئ والأهداف العامة المتضمنة في الفكر التربوي الاجتماعي لدى ابن خلدون (732هـ-808هـ)، التي تتمثل في: العوامل الثقافية المؤثرة في فكره التربوي الاجتماعي، والمبادئ العامة التي احتواها هذا الفكر، والأهداف التربوية المتضمنة فيه.
أولًا: العوامل الثقافية المؤثرة في الفكر التربوي الاجتماعي لابن خلدون
1- التنشئة التربوية لابن خلدون: ولد ابن خلدون في تونس عام 732هـ في أسرة عريقة في الشرف والرياسة، وبدأ حياته بدراسة أصول الفقه ودروس التفسير والحديث، وتقلد عدة مناصب في الدولة، ثم اعتزلها حينما نشبت الفتن والصراعات، وسافر إلى تلمسان ثم إلى الأندلس، ومنها إلى فاس ومصر. وعندئذ ملَّ السياسة وأعرض عنها وعكف على الدراسة والعلم. وقدم للأمة كتابه الرائد الذي يعرف بمقدمة ابن خلدون: “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”. وقد احتوت هذه المقدمة على أسس ومبادئ وأفكار كثيرة، منها ما يتعلق بمجالات التربية الإسلامية.
2- الإطار الثقافي: تتلمذ ابن خلدون إلى اثنين متناقضين في فكرهما ومنهجهما تمامًا، وانعكس هذا التعارض والتأزم على فكر ابن خلدون نفسه، كما وضح في مؤلفه: (التاريخ)، إضافة إلى أن المناخ الثقافي في المجتمع العربي آنذاك كان مشحونا بالصراع الطائفي بين الشيعة والسنة، وقد كشفت مقدمة ابن خلدون عن مدى التقلبات النفسية والفكرية المختلفة التي أثرت في نزعته الفكرية التي لم تستقر على حال.
3- الإطار الحضاري الإسلامي: عاش ابن خلدون في القرن الثامن الهجري الذي يعد من أسوأ القرون التي مر بها الإسلام، حيث سقطت الخلافة العباسية في بغداد على يد المغول، وهاجم التتر البلاد الإسلامية في المشرق، وشهد المغرب تحفز النصارى للقضاء على الدويلة الباقية للإسلام في الأندلس. ولقد أثرت هذه الحالة المنهارة في المجتمع الإسلامي آنذاك على فكر ابن خلدون، حيث نزع نزعة تشاؤمية. لكنه أدرك ببصيرته الواعية أنه لا بد من ردم الهوة بين الفكر الإسلامي والواقع الاجتماعي، فلا سبيل إلى ذلك إلا بضرورة الارتكاز على تربية إسلامية واضحة المعالم متكاملة الأهداف.
ثانيًا: المبادئ العامة للفكر التربوي الاجتماعي عند ابن خلدون
– مبدأ السببية: من المبادئ التي ارتكز عليها ابن خلدون في بناء فكره الاجتماعي في مختلف المجالات ومنها مجال التربية.
– مبدأ العقلانية: وهو مرتبط بالمبدأ السابق، وفيه يؤكد ابن خلدون على محدودية العقل البشري، وأنه غير قادر على أكثر من علم.
– الصورة والمحتوى: يؤكد ابن خلدون على مراعاة الاتساق بين صورة الفكرة ومحتواها، فالفكر دون محتوى أجوف، والمحتوى دون فكر لا طائل من ورائه.
– التغير: فالطبيعة الإنسانية- كما يراها ابن خلدون- ليست ثابتة على حال واحدة، إنما هي متغيرة حسب نتاج الخبرات والمواقف التي يمر بها الإنسان.
وهذه المبادئ العامة للفكر التربوي الاجتماعي لدى ابن خلدون تحتوي على تضمينات تربوية يمكن الإفادة منها في الواقع التعليمي المعاصر. من ذلك؛ ضرورة تحقيق الفرص المتكافئة بين الأفراد في التعليم، وضرورة الأخذ بالتخطيط العلمي المدروس، والسعي نحو التغيير الهادف، وتحديث المجتمع وتعصيره، وضرورة التعليم المنتج النافع اجتماعيًا، وضرورة الأخذ بمبدأ التعليم المستمر.
ثالثًا: الأهداف العامة في الفكر التربوي الاجتماعي عند ابن خلدون
وذلك بتحقيق النفع الديني (العمل للآخرة)، والنفع الدنيوي (العمل لتنمية الحياة)، وتنوع أساليب وطرق التدريس بما يناسب قدرات التلاميذ، والانتفاع بوسائل الإيضاح في عملية التعليم، ودعم العلاقات الإنسانية الطيبة في العمل التربوي. وقد عرض الكتاب لعدد من النظريات المفسرة لظاهرة العلاقات الإنسانية.
من فوائد وثمرات هذا الكتاب
1- الفكر التربوي الإسلامي يعترف بكل من الفكر والمادة حقيقتين رئيسيتين في تكوين الوجود الذي نعيش فيه، والعلاقة بينهما متوازنة ومتوازية.
2- الطبيعة الإنسانية في الفكر التربوي الإسلامي ذات طبيعة مزدوجة من المادة والروح، ولديها الاستعداد ونقيضه.
3- موقف الفكر الإسلامي من المعرفة، أنها تتألف من نشاطين رئيسين، أحدهما يتمثل في الآثار الوافدة من العالم الخارجي إلى العقل، وثانيهما يتمثل في فاعلية العقل ودوره في تحويل هذه الآثار الحسية إلى معاني ومفاهيم وقوانين عقلية عامة.
4- موقف الفكر الإسلامي من القيم، أنها مستخلصة من الشريعة الإسلامية السمحاء.
5- تتركز أهم مسؤوليات فكرنا التربوي الإسلامي في التغيير التقدمي الشامل، والعمل المنتج النافع اجتماعيًا، وروح التعبئة ضد التخلف، وتحقيق العدل الثقافي، ودعم المعرفة العملية الاقتصادية.
6- من أغراض التعليم عند “حاجي خليفة”: تهذيب الأخلاق، وتنميتها نحو الأفضل، وتحقيق النفع الديني (الدار الآخرة) والنفع الدنيوي (تنمية الحياة) للمتعلم، وطلب العلم لذاته.
7- مصدر القيم عند ابن تيمية هو الله تعالى. والسعادة هي عبادة الله وحده، ودوافع الأخلاق الحقيقية هي محبة الله تعالى.
8- أهم أهداف التربية عند الإمام الغزالي: القرب من الله تعالى، وطلب العلم كغاية ووسيلة، وأن القيم هي الأساس في بناء الإنسان الأخلاقي، وأن التعليم أشرف المهن.
9- المبادئ العامة للفكر التربوي الاجتماعي عند ابن خلدون تتمثل في: مبدأ السببية، والعقلانية، والصورة والمحتوى، والتغيُّر.
10- من الأهداف العامة في الفكر التربوي الاجتماعي عند ابن خلدون: تحقيق النفع الديني والدنيوي، ودعم العلاقات الإنسانية الطيبة في العمل التربوي، والاهتمام بالعملية التعليمية ومستلزماتها.