ابني في الصف الأول الابتدائي، وهو طفل وديع وليس من طبعه إثارة المشكلات، بل هو على العكس طيب وودود ويحب الرفاق ويحسن الظن بهم، لكن ومنذ بداية انتظامه في المدرسة وهو يشتكي من ضرب أحد رفاقه له، وذهبت إلى معلمته وأبلغتها فأقرّت بوجود طفل عدواني في الفصل يعتدي على الأطفال، لكنها قالت إنها لا تعرف كيف تتصرف معه، ونصحتني بالتوجه إلى إدارة المدرسة للشكوى لعلهم يجدون حلا.. فهل فعلا أبحث عن حل لدى الإدارة؟ وما هي الحلول التي يمكن أن تكون في يد الإدارة؟ وإذ لم يكن بوسع الإدارة إيجاد حل.. فماذا عليّ فعله؟
الإجابة:
نعلم جيدًا ما يسببه هذا من آثار سلبية على الطفل وشخصيته، وما يسببه من قلق وتوتر للوالدين، لكن بداية يجب أن نعلم أن ثمة طرفين في هذه المشكلة، طرف لا نملك قدرة على التصرف المباشر معه وهو ذلك الطفل الذي يتصرف بعدوانية، والطرف الآخر هو الابن العزيز، لذلك دعينا نركز على ما نملكه ونستطيعه في هذه المشكلة، وهو ما يتعلق بالابن، إذ إنه من الممكن اتخاذ نوعين من الإجراءات، الأولى إجراءات قصيرة المدى نسعى من خلالها إيقاف الإيذاء الواقع على الابن بشكل عاجل، والأخرى طويلة المدى تبني شخصية الابن وتقويها وتكسبه مهارات عديدة تساعده في المواقف المشابهة مستقبلًا.
أمّا عن الإجراء قصير المدى، فإننا لا نُفضل أن يشعر الطفل بتدخلك مباشرة وباستمرار لحمايته، كي لا يزيد هذا من تواكله عليك في حل مشكلاته ما يزيد شعوره بالضعف، بالتأكيد نحن مطالبون بحماية أطفالنا لكن ليس بالطريقة التي تضعف من شخصياتهم وتكرس داخلهم شعور الضحية.
لذلك نعم، يُمكنك التواصل مع إدارة المدرسة، كما يمكنك التواصل مع أولياء أمور الطفل الذي يعتدي على ابنك، لكن أحيانًا اللجوء لهذا باستمرار يقوي شوكة الطفل المعتدي، فيظن في ابنك الضعف ويستمر في إيذائه.
لذا، ننصحك باللجوء إلى المدرسة والتواصل مع والدة الطفل الآخر للوصول إلى حل ملائم، لكن لا يمكن تصور أنّ يمثل هذا حلًّا جذريًّا، لأنّ الأهم هو أن نقوّي الابن من الداخل إذ إنه مُعرض لتكرار مثل هذه المواقف طوال حياته، لذا في المقابل عليك تدريب ابنك على كيفية رد العدوان، وليس الاعتداء. تستطيعون البدء في ذلك من خلال البيت بجانب الاشتراك في رياضة من الرياضات الدفاعية، علّميه أن يرفع صوته إذا اقترب منه أحد، وأن يمسك يد من يعتدي عليه ويمنعه من التطاول عليه، علّميه أن ينظر لعين المعتدي بقوة ولا يخاف ولا يتراجع.
لا ترسخي داخل طفلك شعور الضحية، فيظهر ذلك في طريقة رد فعلك على المواقف التي يحكيها لك، لا تُبالغي في التعاطف، أنصتي له جيدًا، وقومي باحتوائه واحتضانه، لكن دون غضب شديد ولا تعاطف مبالغ فيه ولا كلمات محبطة ولا نبرة صوت ضعيفة، ثم أخبريه أنك تثقين في قدرته على التصرف وإلزام هذا الطفل حدّه، وتحدثي معه عن كون هذا التصرف تصرف شائع، يحدث مع الكثيرين، ثم لا تركزي على شخصية المعتدي عليه وتعمدي تجاهله، لا تسأليه كلما عاد من المدرسة ماذا فعل فلان؟ بل أخبريه – عندما يتحدث هو عنه- أنه يتصرف ذلك لضعف ما داخله، وأنه ربما يفتقد لشعور القوة فيلجأ للحصول عليها بطريقة خاطئة.
ولا تنسي تشجيع ابنك باستمرار كلما استطاع أن يرد اعتداء هذا الطفل عليه أو كلما تصرف بشجاعة بشكل عام.
ساعديه كذلك على بناء صداقات أخرى وتقوية صداقاته الحالية، هذا كفيل بأن يحيطه بدائرة اجتماعية تعطيه قوة كافية من أن يقترب له هذا الطفل، اصنعي الحلوى واطلبي منه توزيعها على باقي الأطفال، استغلي مناسبات ما واقترحي عليه توزيع هدايا على زملائه في الفصل، كي تعطيه الثقة في قدرته على التواصل بنجاح مع الآخرين.
أما على المدى البعيد، فلا بُد من أن تعملي على تقوية شخصية طفلك وتعزيز ثقته بنفسه ومنع أي أشكال أخرى للقهر تمارس عليه في البيت من الوالدين أو إخوته، فمثلًا هل يساعده الأسلوب المتبع في البيت على قول (لا) أحيانًا؟ هل يستطيع أن يعبر عن رغباته وتفضيلاته؟ هل معظم الحديث الموجه له قائم على توجيه الأوامر أم النقاش وتوجيه الأسئلة والتخيير؟ هل يشعر بالأمان في بيئة البيت أم يُمارس عليه أي شكل من أشكال العنف المنزلي أو يعاني من كثرة الخلافات العائلية؟
كما أنه من المهم أن يعمل البيت باستمرار على تعريف الابن بمهاراته ونقاط قوته وتميزه وتنميتها، وأن يمارس بعض الأنشطة الجماعية التي تعتمد على التواصل مع الآخرين كبعض الألعاب الرياضية الجماعية، حتى يتمتع بشخصية قوية تقيه من آثار مثل هذه التصرفات العدوانية وتمكنه من التصرف بطريقة صحيحة.