ابني على مشارف مرحلة المراهقة، بدأت أشعر بجفاء بيني وبينه، فقد كان متعلقًا بي في صغره بدرجة شديدة، ومع مرور الوقت وانشغالي بالعمل والكسب وتلبية احتياجات الحياة في ظل ارتفاع التكاليف المعيشية ازدادت الفجوة بيننا، وتحولت العلاقة إلى توجيهات وأوامر، وأخشى عليه من مهالك الحياة. فبِمَ تنصحني؟
الإجابة:
واحدة من المبادئ التي يُنصح بها دائمًا في تفسير سلوكيات أبنائنا، هو ما إن كان ما يحدث منطقيًّا وطبيعيًّا أم لا، ومن ثم معرفة كيفية التصرف بعدها، فبعض الأمور المنطقية والملائمة للمرحلة يتم قبولها والسعي فقط لإدخال بعض التحسينات عليها، أما إن كان أمرًا غير طبيعي فإنه يستلزم حينها تدخلًا من نوع آخر.
اختلاف شكل العلاقة مع أبنائنا مع تقدمهم في السن هو أمر طبيعي، وبخاصة في مرحلة المراهقة، إذ يصبح تأثير الصحبة أكبر من تأثير البيت، ويصبح الابن أكثر ميلًا لاسترضاء الأصحاب وتأكيد انتمائه لهم ولو على حساب البيت.
كما أنه أمر طبيعي أن يقل اعتماد أبناؤنا علينا كُلّما نضجوا، وتقل رعايتنا لتفاصيل حياتهم مع الوقت، بل إن هذا واحد من الأمور التي يجب أن يسعى الآباء لتحقيقها، أن يُربّوا أبناءهم على الاستقلال والاعتماد على النفس، كي يستطيعوا مواصلة الحياة بهم أو بدونهم.
لكن تربية أبنائنا على الاستقلال لا تعني إهمالهم أو إهمال مشاعرهم أو إهمال مصاحبتهم، وبخاصة في مرحلة بأهمية وخطورة مرحلة المراهقة، بل يجب أن يجري هذا ونحن على مقربة منهم، نحسن الاستماع إليهم، يجمعنا بهم أوقات خاصة ومميزة، نشاركهم اهتماماتهم، لا نعطيهم ما تبقى من وقتنا بل يكونون على قائمة أولوياتنا.
واحدة من الأفكار التي تعين في حال الانشغال عن الأبناء بكسب العيش، هو تحديد ثوابت وعادات معهم، سواء أكانت عادات يومية أو أسبوعية أو شهرية، بحيث لا يمر هذا الوقت إلا وقد جمعكم حوار أو نشاط أو نزهة… إلخ، ومهما بلغ بك التعب مداه لا يكون هذا على حساب هذه الثوابت التي يُحددها الآباء لأنفسهم مُسبقًا ويخططون لها. ولعل فاعلية هذه الثوابت يفسرها لنا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”.
أيضًا من المفاهيم الواجب التأكيد عليها هو أنّ التأثير في أولادنا لا يكون بكم الوقت الذي نمنحه لهم، أكثر من كونه بكيفية هذا الوقت، فمثلًا يوجد كثير من الأمهات متفرغات لا يعملن، ومع ذلك لا يقدمن لأبنائهن شيئًا نافعًا يذكر، وأخرى ربما يساعدها العمل على تنظيم وقتها أكثر، فتستطيع أن تمنح أبناءها وقتًا فاعلًا، هذا ما ننصح به، أن يفكر الآباء في كل وقت يجمعهم بأبنائهم كيف يجعلونه وقتًا مثمرًا وفاعلًا وإن قل، تستشيرون الابن في مشكلات البيت، تسترجعون معًا كثيرًا من الذكريات، وتنصتون إليه وهو يتحدث عن يومه، تمرحون وتلعبون معًا، تعلمونه أمور دينه، تتلون القرآن معًا، تصطحبونه للخارج، تذهبون إلى المسجد معًا.
نلحظ أخي السائل أنّ إرسالك هذا السؤال في حد ذاته دليل على فهمك لأولويات الأمور، وعدم رضاك عن انشغالك عن ابنك، وأنت مُحق في هذا، فالمال والرزق يمكن تعويضه إن فات، لكن ضياع الأبناء وخسارتهم هو ما لا يُعوّض، والمال ما هو إلا وسيلة لاستمرار الحياة، لكن صلاح الأبناء غاية كبرى، فلا يجب أن ننشغل بالوسائل عن الأهداف والغايات.
والأهم من ذلك ألا تُقصر في الدعاء لابنك أن يحفظه الله في زمن الفتن هذا، وأن يرزقه صحبة الأخيار ومعلمي الخير، وأن يصرف عنه السوء وأهله، سبحانه وحده هو الحافظ والهادي، وقد علمتنا سورة الكهف أن الله يرعى غلامًا يتيمًا بصلاح حال أبويه: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ …}، فلتكثر من الطاعات، ولتتقرب إلى الله بنية حفظ وصلاح حال ابنك.