مؤلف الكتاب: الدكتور/ ماجد عرسان الكيلاني .
طبعة دار القلم – دبي -الإمارات -الطبعة الثالثة- 1423ه/2002م.
يتناول الكتاب موضوع نشأة جيل التحرير وتربيته؛ ولم يتناول سيرة القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي، بصورة بعيدة عن المحيط الحضاري والاجتماعي الذي نشأ فيه، وكان سببا في خروجه. كما أنه يبرز دور الأمة متمثلة في العلماء والقادة الذين يضعون الوعي، ويوجهونه، ويصقلون توجهات الأمة نحو السمو والرقي، ويتعهدون النابهين والنابغين منها. ويركز المؤلف على فلسفة التاريخ، دون سرده. ويبين اعتماد مدرسة الإمام أبي حامد الغزالي، منهج النقد الذاتي وليس التبريري.ثم يقدم تسعة قوانين تلخص مبادئ نهضة الأمة.
إن هذا الكتاب دعوة إلى إعادة قراءة تاريخنا واستلهام نماذجه الناجحة، ودعوة إلى فقه سنن التغيير، وكيف أن ظاهرة صلاح الدين ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة، ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجة مقدرة لعوامل التجديد ولجهود الأمة المجتهدة، وهي ثمرة مائة عام من محاولات التجديد والإصلاح، وبذلك فهي نموذج قابل للتكرار في كل العصور. فإمداد الأمة بالطاقات المعنوية والروح المكافحة يجعلها تتحفز لأداء دورها من جديد في تحقيق الغايات ومواجهة التحديات.
وصف عام للكتاب
يتكون الكتاب من فصل تمهيدي وستة أبواب؛ الأبواب الخمس الأولى منه، جاءت في عشرين فصلا، والباب السادس جاء مختلفا، حيث اشتمل على أحد عشر قانونا.
وفي الطبعة الثالثة (دار القلم بالإمارات – 2002) زاد المؤلف فصلين، فصار عدد فصول الكتاب اثنين وعشرين فصلا.
الفصل التمهيدي: أهمية البحث في إخراج جيل صلاح الدين وحركات الإصلاح التي أخرجته:
اشتمل هذا الفصل على أهمية البحث، وأسئلة البحث، ومنهج البحث، والدراسات السابقة. وأرجع الكاتب أهمية البحث في هذا الموضوع إلى نقطتين مهمتين: الأولى، أن صلاح الدين في بدايته لم يكن سوى خامة من خامات جيل جديد مرّ في عملية تغيير غيَّرت ما بأنفس القوم من أفكار وتصورات وقيم وتقاليد وعادات؛ ثم بوأتهم أماكنهم التي تتناسب مع استعداداتهم؛ فانعكس أثر ذلك على أحوالهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية.
النقطة الثانية؛ أن الذين قادوا عملية التغيير هم أناس عاشوا قسوة الأحداث، وتجرعوا مرارة التجارب والأخطاء والانحراف في الفكر والممارسات العملية، وذاقوا حلاوة الإصابة؛ وخلصوا من ذلك كله إلى تغيير ما بأنفسهم أولا، ثم إلى بلورة تصورات معينة وإستراتيجية خاصة انتهت بهم إلى تضافر جميع الهيئات والجماعات. وبعد ذلك مضوا في تنفيذ هذه الإستراتيجية، طبقا لخطوات مرحلية متناسقة.
يقول المؤلف: هذا الكتاب دعوة إلى إعادة قراءة تاريخنا واستلهام نماذجه الناجحة، ودعوة إلى فقه سنن التغيير، وكيف أن ظاهرة صلاح الدين ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة، ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجة مقدرة لعوامل التجديد ولجهود الأمة المجتهدة، وهي ثمرة مائة عام من محاولات التجديد والإصلاح. وبذلك فهي نموذج قابل للتكرار في كل العصور.
الباب الأول: التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية:
الفصل الأول: مذهبية الفكر الإسلامي والصراع المذهبي؛ حيث انعكست الأمراض المذهبية وسلبياتها على المذاهب الفقهية.
الفصل الثاني: انقسام الصوفية وانحرافها؛ وقامت الخصومات بين الفقهاء والمتصوفة إلى جانب الفتن المذهبية، وانتشرت طوائف الجهلة والسطحيين من الصوفية.
الفصل الثالث: تحديات الفكر الباطني؛ ازدهرت الحركة الباطنية نتيجة للمذهبية والركود اللذين أصابا الفكر الإسلامي السنِّي ومؤسساته، ونتيجة للمظالم الاجتماعية والاقتصادية للسلطة القائمة. والحركة الباطنية جماعات مختلفة يجمعها هدف مشترك، هو: إفساد العقيدة الإسلامية وتدمير المؤسسة الحكومية التي تمثل هذه العقيدة.
الفصل الرابع: تحديات الفلسفة والفلاسفة؛ فبعد أن دخلت الفلسفة حياة المسلمين في القرن الثاني الهجري، اتخذت منذ القرن الرابع الهجري طابعا آخر تحدى العقيدة وفكرة النبوة والرسالة في الإسلام.
الباب الثاني: آثار اضطراب الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية
الفصل الخامس: فساد الحياة الاقتصادية؛ حيث قامت وسائل الكسب في هذه الفترة على أسس غير مشروعة من فرض الضرائب وابتزاز الجباة. كما تفنن التجار في رفع الأسعار. وكان الجند يستغلون الفتن التي تنشب بين السلاطين والملوك أو بين الأمراء، فينهبون المدن والمحلات التجارية والبيوت.
الفصل السادس: فساد الحياة الاجتماعية؛ في ظل التفرق المذهبي انهار مفهوم الأمة، وحلت مفاهيم العصبية العشائرية والإقليمية والمذهبية، حتى إن العصبية كانت بين أحياء المدينة الواحدة. وشاع الفساد، وانتشر اللهو وفساد الأخلاق.
الفصل السابع: الانقسام السياسي والصراع السني- الشيعي؛ تفككت دولة السلاجقة بعد وفاة السلطان ملكشاه، ودب النزاع بين أبنائه، وانقسمت الدولة إلى خمس ممالك متنافسة. ومضت الدولة الفاطمية إلى تقويض الخلافة العباسية، واجتثاث الفكر الإسلامي، واستبدلت به الفكر الشيعي.
الفصل الثامن: ضعف العالم الإسلامي أمام الهجمات الصليبية؛ انتشر الفساد وعمّ الضعف المجتمعات الإسلامية في ميادين الحياة المختلفة، والصراع القائم بين رؤساء العالم الإسلامي على السلطة.
الباب الثالث: المرحلة الأولى لحركة التجديد والإصلاح
الفصل التاسع: المحاولات السياسية للإصلاح؛ بعد أن تسلم السلاجقة مهام الإدارة في بغداد، ثم التعاون مع الأشاعرة الشافعية في أولى عمليات الإصلاح والتجديد، وتصدى السلاجقة للتحديات الموجودة بوسيلتين: الأولى، السلاح الفكري ونشر العقيدة، والثانية، قيام المؤسسات التي تجسد هذه العقيدة في واقع الحياة. وقد أنهى موت (اغتيال) نظام الملك التحالف بين الأشاعرة الشافعية كحركة فكرية، والإدارة السلجوقية كحركة سياسية.
الفصل العاشر: دور مدرسة أبي حامد الغزالي في الإصلاح والتجديد؛ استعرض حياة أبي حامد الغزالي وأفكاره ومجهوداته، ثم انتقل إلى ما كان له و لمدرسته الفكرية من أثر في الأحداث التي جرت في ميدان الإصلاح والتجديد .
الباب الرابع: انتشار حركة الإصلاح والتجديد والمدارس التي مثَّلتها
الفصل الحادي عشر: مدارس الإصلاح والتجديد؛ أثرت مدرسة الإمام أبو حامد الغزالي في ظهور عدد كبير من المدارس الإصلاحية التي قامت بدور أساسي في التوجيه في العواصم والمقاطعات. ومن أهم هذه المدارس: المدرسة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني، وتقوم على اعتماد التعليم المنظم والتربية الروحية المنظمة، وكذلك تقوم على الوعظ والدعوة بين الجماهير. وكان هناك أيضا مدارس النواحي والأرياف التي جاوزت عشرين مدرسة. وكانت تتبع المدرسة الغزالية والقادرية في منهج الإصلاح.
الفصل الثاني عشر: يعرض لجهود التنسيق والتعاون بين مدارس الإصلاح وتوحيد مشيخاتها في مختلف أقطار العالم الإسلامي.
الباب الخامس: الآثار العامة لحركة الإصلاح والتجديد
الفصل الثالث عشر: إخراج أمة المهجر (الدولة الزنكية) وسياساتها في الإصلاح والتجديد؛ وذلك على يد (آق سنقر) الذي أظهر كفاية وهيبة في جميع البلاد التي حكمها بالعدل. وبعد مقتله خلفه ابنه (عماد الدين زنكي) وإليه تنسب (دولة آل زنكي)، وقد سار على خطى والده، وخلفه ابنه (نور الدين) الذي أعطى الدولة الجديدة طابعها الإسلامي المميز، وهيأها لحمل رسالتها كاملة.
الفصل الرابع عشر: إعداد الشعب إعدادا إسلاميا وتكامل الجهود التربوية؛ من خلال الخطة الشاملة التي تبنتها الدولة الجديدة؛ لإعداد الشعب إعدادا إسلاميا.
الفصل الخامس عشر: صبغ الإدارة بالصبغة الإسلامية وتكامل القيادات السياسية والفكرية؛ حيث امتازت القيادات السياسية والإدارية والعسكرية بالتزامها العقائدي في جميع نشاطاتها وممارساتها، واعتماد الشورى، وتغليب المصلحة العامة، والتفاني في أداء الواجب، و الزهد والتعفف عن المال العام.
الفصل السادس عشر: التعاون بين مدارس الإصلاح والدولة الزنكية – الأيوبية؛ حيث قامت المدارس الإصلاحية بدور مهم في إعداد الطلاب والشباب إعدادا متكاملا؛ ليشاركوا في ميادين السياسة، والجيش والجهاد العسكري.
الفصل السابع عشر: ازدهار الحياة الاقتصادية وإقامة المنشآت والمرافق العامة؛ حيث صارت المفاهيم الاقتصادية لدى الجيل الجديد تقوم على أساس الكسب المشروع والإنفاق المشروع حسب ما تمليه التوجيهات الإسلامية في هذا المجال.
الفصل الثامن عشر: بناء القوة العسكرية والصناعة والتحصينات الحربية؛ وكلفت الدولة للقيام بذلك كلا من نور الدين وصلاح الدين. فأقيمت المصانع الحربية، وأنشأ صلاح الدين أسطولا حربيا، تم تسليحه بكل ما هو جديد من الأسلحة والذخائر آنذاك.
الفصل التاسع عشر: بناء الوحدة الإسلامية وتحرير المقدسات والأراضي المحتلة ومحاولة استئناف الفتوحات الإسلامية؛ فتم استرجاع مقدسات المسلمين من أيدي الصليبيين، ودخول مصر والقضاء على الدولة الفاطمية هناك، وضم مصر إلى الدولة الإسلامية، ثم الزحف إلى القدس وتحريرها وفتحها على يد صلاح الدين الأيوبي.
الفصل العشرون: تقويم مدارس الإصلاح والتجديد والمصير الذي انتهت إليه؛ حيث نجحت هذه المدارس في إخراج (جيل نور الدين وصلاح الدين) الذي استطاع مواجهة الصليبيين وإعادة(القدس)، لكن هذه المدارس لم تنجح في إمداد الأمة الجديدة بما يحافظ على استمرار وحدتها ونمائها الحضاري في ميادين الحياة المختلفة، بل إن التخلف أصاب هذه المدارس نفسها، وانتهى بها الحال إلى ما عُرف بـ(الطرق الصوفية) وامتداداتها المتمثلة بجماعات الدراويش المختلفة.
الباب السادس: قوانين تاريخية وتطبيقات معاصرة
اختتم المؤلف كتابه بمجموعة من القوانين التي تحكم بناء الأمم والانتفاع بالمقدرات، وهو ما يمكن أن نطلق عليه (فقه بناء الأمم). وهذه القوانين هي خلاصة الدروس المستفادة من الأبواب الخمسة، والفصول العشرين السابقة:
القانون الأول: صحة المجتمعات ومرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه. وهو ما تضمنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]. وقوله أيضًا: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 53].
القانون الثاني: عندما تفشل جميع محاولات الإصلاح، وتتحول الجهود المبذولة إلى سلسلة من الإحباطات والانتكاسات المتلاحقة، فإن المطلوب هو القيام بمراجعة تربوية شاملة وصريحة وفاعلة. يكون من نتائجها إعادة النظر في كل الموروثات الثقافية التي تلي نصوص القرآن والحديث الصحيح، وإعادة النظر في كل العملية التربوية، ابتداء من فلسفة التربية، مرورا بأهدافها ومناهجها وطرائق مؤسساتها وإداراتها والمربين العاملين فيها حتى الانتهاء إلى تطبيقاتها السياسية والاجتماعية والإدارية.
القانون الثالث: مع أن الإسلام هو العلاج المؤدي إلى صحة المجتمعات وقيام الراقي من الحضارات، لكنه لا يؤدي هذا الدور الحضاري إلا إذا تولى فقهه أولو الألباب النيرة، و الإرادات العازمة النبيلة.
القانون الرابع: الإسلام هو الدين الصحيح وهو منهاج الحياة الراشدة الهانئة، لكنه لا يقود لهذا النوع من الحياة إلا إذا أُحكمت خطوات عرضه وتطبيقه حسب نظام خاص ومنهجية معينة.
القانون الخامس: تتحقق قوة المجتمعات من خلال نضج وتكامل عناصر القوة في دائرة فاعلة وتناسق صحيح، وهذه العناصر: المعرفة، والثروة، والقدرة القتالية.
القانون السادس: ما لم يتزاوج الإخلاص مع الإستراتيجية الصائبة في تعبئة الموارد والقوة البشرية في الأمة، فإن جميع الجهود والطاقات سوف تذهب هدرًا على مذابح الصراعات الداخلية وتؤول إلى الفشل والإفلاس.
القانون السابع: إذا لم يقم الإصلاح على التدرج والتخصص وتوزيع الأدوار، فسوف ينتهي إلى الفشل والإحباط المدمر.
القانون الثامن: إذا لم تترجم أفكار الإصلاح والوحدة إلى أعمال وتطبيقات صائبة، فسوف تعمل هذه الأفكار على زيادة ضعف المجتمع وتعميق التخريب فيه بتسارع كتسارع الانشطارات النووية التي لا تتوقف عند حدٍ.
القانون التاسع: في إستراتيجيات الإصلاح والتجديد، يتناسب مقدار النجاح بقدر مراعاة قوانين الأمن الجغرافي.
من ثمرات الكتاب وفوائده
يفيد الكتاب كل من يتشوق إلى نهضة الأمة، ويتطلع إلى تغيير حالها إلى الأفضل، وبخاصة المصلحين والعلماء. ويزيد من طاقة الأمل لدى الشباب المتوثب إلى غد أفضل، في ظل التحديات الخارجية والداخلية التي تحيط بالأمة، وتؤخر استقلالها وحريتها، وتمنع تقدمها، وتعطل دورها المنوط بها في حياة البشرية. ومن المعاني التي نستفيدها من الكتاب:
1- الإيجابية والبعد عن السلبية والانهزامية.
2- ضرورة الاعتماد على النقد الذاتي في جميع دوائر حياتنا الشخصية والعامة.
3- البعد عن التربية التبريرية ومواجهة الأخطاء والحقائق.
4- استلهام التاريخ والاستفادة من دروسه لبناء الحاضر والمستقبل.
5- مسؤولية النهوض بالأمة من كبوتها مسؤولية جماعية على كل شخص تحمل مسؤوليته فيها.
6- الأثر العظيم للعلم في نهوض الأمة؛ مما يرتب علينا المزيد من البذل والاجتهاد.
7- التركيز في قراءاتنا وكتاباتنا التاريخية على فهمها من خلال فلسفة التاريخ، وعدم الاكتفاء بالوصف والسرد والتغني بالأمجاد والبطولات.
8- كيف كانت نهضة الأمة، متلازمة مع عودة أبنائها إلى القرآن والسنة النبوية. والاحتكام لشرع الله عز وجل.